وبالنسبة للأفغان أنفسهم، كما يوضح زكريا، وهو محرر للشؤون الدولية في "واشنطن بوست"، فقد كانت الحرب تحتدم ، حيث عانت قوات الجيش والشرطة في صيف 2019 أسوأ الخسائر خلال عقدين من القتال، كما أنها كانت اسوأ فترة يسقط فيها ضحايا من المدنيين الأفغان، وفي عام 2018، عندما كان لدى الولايات المتحدة أربعة أضعاف عدد القوات مقارنة بالعام الحالي، كان القتال وحشياً لدرجة أن 282 ألف مدني شردوا من منازلهم في الريف، وكان الإحباط من الحكومة الأفغانية ورعاتها الأمريكان يتزايد.
وأشار زكريا إلى اقتراحات بأن الانسحاب كان يجب أن يكون بعد عام أو عامين مع الأخذ بعين الاعتبار التقارير، التي تشير إلى أن القوات الأفغانية تفقد الأرض على الرغم من انسحاب الولايات المتحدة المتأخر، وأشار تقرير لصحيفة "الغارديان" إلى أن الجيش الأمريكي أقنع الرئيس الأسبق باراك أوباما بتأجيل انسحاب القوات، كما أفاد التقرير بأن سيطرة الحكومة المركزية انخفضت إلى حوالي 65 في المئة فقط من مناطق البلاد .
وسلط المقال الضوء على كتاب "الحرب الأميركية في أفغانستان" لكارتر مالكاسيان، الذي استنتج بكل وضوح بأن الولايات المتحدة خسرت الحرب، وطرح السؤال الكبير، وهو "بعد 20 عاماً، و2 تريليون دولار، و130 الأف جندي من قوات التحالف، وقوة أمنية أفغانية قوامها 300 ألف (على الورق على الأقل) والقوة الجوية الأكثر فتكاً وتعقيداً في العالم، لماذا لم تتمكن أمريكا من هزيمة طالبان سيئة التجهيز؟".
الإجابة على السؤال بعد حيرة مستمرة منذ 20 عاماً، بالنسبة للمؤلف مالكاسيان، الذي شاهد عدم مقاومة الجيش والشرطة، هي أن طالبان تقاتل من أجل الإيمان، ومن أجل الجنة في حين يقاتل الغازي (الكافر) من أجل المال.
ومن المؤكد، ايضاً، كما يقول صاحب المقال، أن الجنود الأفغان لم يكن لديهم أي رغبة في صد تقدم طالبان، لأنهم لم يحصلوا على الإمدادات والدعم الذي يحتاجونه من قادتهم، وهذا ليس مفاجئاً نظراً للعديد من المشاكل في الحكومة الأفغانية، التي كانت تفتقر إلى دعم شعبي واسع وتعاني من الفساد مع مليارات الدولارات من المساعدات الأمريكية، المتراكمة بلا مبالاة، كما لم تدمج الحكومة قط مجتمع البشتون الريفي، الذي تستمد منه طالبان أعظم قوتها.
وأكد زكريا أن شرعية الحكومة أصيب بالشلل لأنها نجت فقط بفضل دعم قوة أجنبية، في حين ترتبط الهوية الأفغانية ارتباطاً وثيقاً بمقاومة الغزو الأجنبي، ولا سيما غزو الكفار (يمجد التاريخ الأفغاني النضال الذي دام قرناً ضد البريطانيين والجهاد ضد الاتحاد السوفيتي الملحد)، ومن السهل استخدام هذه الرموز لتعبئة القومية والإخلاص الديني، ولم يكن لدى حكومة أشرف غني رواية مقابلة بنفس القوة لإلهام قواتها.
وأشار مقال "واشنطن بوست" إلى أن الولايات المتحدة كانت تراقب حركة طالبان، وهي تحقق مكاسب في أفغانستان منذ سنوات، وحاولت إخفاء هذا الواقع من خلال تدفق مستمر من الهجمات المضادة والضربات الجوية والطائرات بدون طيار، ولكن ذلك لم يغير من الحقيقة، أو تحقيق نصر، وفي نهاية المطاف تم التخطيط لانسحاب، ولكن تم تنفيذه بشكل سيئ للغاية، والحقيقة المجردة هي: لا توجد طريقة أنيقة لخسارة الحرب.