البث المباشر

بصيرة العبّاس الأكبر (ع)

الإثنين 19 نوفمبر 2018 - 15:00 بتوقيت طهران
بصيرة العبّاس الأكبر (ع)

البصيرة في الدين تلازم قوّة الإيمان ملازمة حقيقة لا تنفكّ عنها لأنّ الإيمان له مراتب فأدناها مرتبة التصديق بما جاء به النبيّ (ص) مع عدم رسوخه في النفس ويطلق عليه الإيمان الضعيف ولذلك إذا حصل له اقلّ شيء يزعزع عقيدته وهذا لا يوصف بالبصيرة في الدين لأنّه إلى الأرتياب أقرب من الأعتقاد الصحيح وقد حكى الله تعالى عنهم ذلك عند الأمتحان بالأحزاب في قوله: (وّإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ في قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُوُلهُ إِلاَّ غُرُوراُ)(1) فالذين في قلوبهم مرض أهل الإيمان الضعيف ولهذا قابلهم بالمنافقين الذين لا إيمان لهم فلمّا ضربوا بالبلاء تزلزل أعتقادهم وقالوا بمقالة أهل النفاق.
وقال تعالى: (وّمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ أنَقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ)(2) الآية، وهذا الحرف من الإيمان وهو الطرف والجهة الواحدة وهي جهة الرخاء فقطّ وأمّا سائر الجهات وهي جهات الأبتلاء والتمحيص فلا يشكّ معها ويزول إيمانه ويصبح كما قال الله تعالى: (خّسِرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ) والمتبصّر في دينه تامّ الإيمان من جميع جهاته فكلّما زاد البلاء وأشتّدت المحنة يزداد ثباتاً كما قال تعالى:(وَمَا زَادَهُمْ إِلاَّ إِيمَاناً وَتَسْليِماً)(3). 
فأعلا مرتبة التصديق هو التسليم لكلّ ما جاء من قبل الله وذلك عند رسوخ العقيدة في النفس فلذلك لا يتزعزع من كلّ شيء يضطرب منه ضعيف الإيمان ولا يرتاب ولا يشكّ ولا يتزلزل ولو تظافرت المحن كما قال المقداد بن عمرو لرسول الله (ص): لو ضربونا ـ يعني قريشاً ـ حتّى يبلغو بنا برك الغماد لعلمنا أنّا على حق وهم على باطل.
وكما قال أبو اليقظان عمّار بن ياسر يوم صفّين: لو ضربونا ـ يعني أهل الشام ـ حتّى يبلغوا بنا سعفات هجر لعلمنا إنّا على حقّ وهم على باطل.
ويسمّى صاحب هذا الأعتقاد قويّ الإيمان وصلب الإيمان ونافذ البصيرة ومتبصّراُ في دينه وما شاكل هذا، وهذه المرتبة العليا من الإيمان لأنّ مراتب الإيمان الراسخ تتفاوت شدّة وضعفاً وإن كانت أضعفها قويّاً متمكّناً فتكون في بعض الأشخاص أقوى منها في البعض الآخر مع أشتراكهم جميعاً في قوّة الإيمان ورسوخ العقيدة ونفوذ البصيرة نظير أشتراك أفراد الأبيض مع البياض مع تفاوتها في الشدةّ والضعف وقد جاء في الحديث عن أهل البيت (ع): الإيمان عشر درجات، والمراد بهذا التفاوت إنّما هو بالشدّه والضعف في المرتبة العالية من الإيمان والتي ليس فوقها إلاّ درجة اليقين وهي التي لا يصل إليها إلاّ من كشف له الحجاب وهي مرتبة النبيّ (ص) وسائر الأنبياء ومرتبة أهل العصمة من الأئمّة الطاهرين (ع) وقد قال أمير المؤمنين عليّ بن ابي طالب: لو كشف لي الغطاء ما أزددت يقيناً، وهذه المرتبة لا يرومها أحد من أهل التوحيد وإن رامها لم يصل إليها فالواصل إليها إمّا نبيّ أو وصيّ نبيّ.

الصيرة في الدين وهي ثمرة الإيمان:
وهي كناية عن المعرفة الصادقة بحقيقة الإيمان والإحاطة التامّة بجميع ما يقول به الدين ويشاد به الإسلام والأطلاع والخبرة بضلالة المضلّ وباطل المبطل من أي ّ طريق كان سواء كان من طريق الكشف كمعرفة النبيّ (ص) والأئمة (ع) أو الأستناد إلى الوحي كما هو حال الأنبياء والأوصياء وهنا يختلف الحكم بين النبيّ والإمام 
فإن النبيّ يأخذ العلم بواسطة واحدة وهي عن جبرئيل (ع) والإمام يأخذه بواسطتين عن النبيّ (ص) عن جبرئيل (ع) ثمّ المصدر له العلم الإلهي وهذا معنى قول مولانا أمير المؤمنين (ع): علمني رسول الله (ص) ألف باب من العلم، يفتح لي من كلّ باب ألف باب، وقوله (ع) مشيراً إلى صدره الشريف: هذا سفط العلم، هذا لعاب رسول الله (ص)، وقوله (ع) ما من فئة تهدي مائة أو تضلّ مائة إلاّ وأنا عالم بسائقها وقائدها وناعقها، وعلى هذا وقعت جميع إخباراته الصادقة كإخباره بإمرة مروان الحكم كقوله: دعوه عليه لعنة الله إنّ له إمرة كلعقة الكلب أنفه، وكإخباره بدولة عبد الملك وولده وقوله أبو الأكبش الأربعة، الويل لاُمّة محمّد منه ومن بنيه، وقوله: فيه يفحص ضليل براياته في كوفان وقوله في معاوية: يحتمع أمر الاُمّة على مندحق البطن واسع البلعوم، وقوله في الحجّاج بن يوسف أبو وذحة وأمثال ذلك ممّا هو مشهور، ومن كانت له هذه الأوصاف فله في رسوخ الإيمان وقوّة البصيرة في الدين ما لا يقاس به أحد من الناس مهما كان.

إيمان العبّاس بن أمير المؤمنين (ع) وبصيرته:
هو فيهما في درجة أهل بيته لأنّه (ع) قد جمع كل هذه الأسباب الموجبة لنفاذ البصيرة من الأخبار الصادقة عن الأئمة الطاهرين كأبيه وأخويه السيّدين الحسن والحسين (ع) ومشاهدة المعجزة والتفكّر في صحيفة الوجود وصفاء النفس والكشف، فقد صح أن أصحاب الحسين (ع) كشف لهم وليس وراء عبّادان قرية، يشهد له الإمام جعفر الصادق (ع) فيما رواه السيّد الداودي وغيره ولفظه في عمدة الطالب(4): قال الصادق جعفر بن محمد (ع): كان عمنا العبّاس بن عليّ (ع) نافذ البصيرة، صلب الإيمان، جاهد مع أبي عبد الله (ع) وأبلى بلاء حسناً ومضى شهيداً، ودم العبّاس (ع) في بني حنيفة، إنتهى.
وقوله (ع) في زيارته التي رواها أبن قولويه في كامل الزيارة: ((أشهد أنك لم تهن ولم تنكل وأشهد أنك مضيت على بصيرة من دينك مقتدياً بالصالحين ومتبعاً للنبيين)) ألخ.
للمؤلف:

إيمان شبل عليّ ظاهر الأثر

للناظرين ما قد جاء في الخير

بأنه صلب إيمان بصيرته

في الدين نافذة أكرم بخير سري

فدى الحسين بنفسه لا مثيل لها

بعد الأئمة والسادات للبشر

مطهر النفس من عيب يدنسها

مقدم في سبيل الخير ذا أثر

أبوه أكرم خلق الله قاطبة

بعد النبي المعلى خيرة الخير

به أفتخار بني عدنان قاطبة

على بني يعرب إذ كان من مضر

فخر العروبة لا شك يخالطه

عليّ لا خالد الجبار ذو البطر

هذا مع المصطفى يحمى شريعته

وذاك عن هبل حامي بلا نكر

كان الوصيّ سيمى في وقائعه

بكاشف الكرب بالصمصامة الذكر

سل يوم بدر واُحد أين موقفه

من خالد رِأس أهل الكفر وأعتبر

وشبله السيّد العبّاس موقفه

بالغاضرية فيه خير مفتخر

فياله موقف تبقى فضائله

ما دام يمشي على الغبراء من بشر

وراحل لجنان الخلد جهز من

جند أبن ميسون آلافاً إلى سقر

لولا الكمين الذي أردى بساعده

لم يبقى حيّاً يحامي قطّ عن عمر

برى الكمين يديه والعدى أحتوشوا

ذاك الكمي أحتواش السغب للجزر

مقتبس من كتاب (بطل العلقمي) للعلامة الشيخ عبدالواحد المظفر

1ـ الأحزاب: 12.
2ـ الحجّ: 11.
3ـ الأحزاب: 22.
4ـ عمدة الطالب: ص323 الطبعة الأولى.

 

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة