في هذه الفضيلة احد من الناس وقد أوضح لنا هذه الحقيقة سيدنا وإمامنا السجاد زين العابدين بن الحسين عليهما السلام بقوله بخطبته المشهورة في مجلس اللعين يزيد بن معاوية (أيها الناس! اٌعطينا ستاً وفُضلنا بسبع ألخ) .
فالعباس الشهيد (ع) من لباب بني هشام وصميم عبد مناف وقد زاده فضلاً على فضله صحبته لأهل الفضائل وخدمته لسادات أرباب المكارم، فقد قضى حياته وأفنى عمره في صحبة أكرم الخلق بعد النبي (ص) شمائلاً وشيماَ، وأفضلهم أخلاقاً ومزايا، واكملهم طباعاً وسجابا، وتزداد المرآة بالجلاء صفاء، والسيف بالصقالة رونقاً؛ فامير المؤمنين وهو والده الأكرم وأبوه سيد أرباب الفضائل، والحسن والحسين عليهما السلام أخواه خير الإخوة وأفضل الاشقاء، وقد شهد لهما رسول الله (ص) في تشبههما به وهو (ص) على خُلقِ عظيم فأكتسب العباس بصحبتهم زيادة على ما في جبلته وفطرته من سجايا الخير وشيم الصلاح ما امتاز به على عامة أرباب الأخلاق الحميدة والصفات الكريمة.
وفي العباس من كرم السجايا
كثير ليس يحصر في مقال
وفـاء نـجدة زهـد وعلـم
وإيثار وصـدق في المقال
عفــاف ظاهر حـلم وجود
وبأس صادق عند النزال
لقد كان من عطف المولى سبحانه وتعالى على وليه المقدس سلالة الخلافة الكبرى سيد الاوصياء ان جمع فيه صفات الجلالة من بأس وشجاعة وإباء ونجدة وخلال الجمال من سؤدد وكرم ودماثة في الخلق وعطف على الضعيف كل ذلك مع البهجة في المنظر ووضاءة في المحيا من ثغر باسم ووجه طلق تتموج عليه أواه الحسن ويطفح عليه رواء الجمال، وعلى أُسرة جبهته أنوار الإيمان كما كانت تعبق من اعرافه فوائح المجد متأرجة من طيب العنصر، ولما تطابق فيه الجمالات الصوري والمعنوي قيل له (قمر بني هاشم) حيث كان يشوء بجماله كل جميل، ويبذ بطلاوة منظره كل أحد حتى كأنه الفذ في عالم البهاء، والوحيد في دنياه كالقمر الفائق بنوره أشعة النجوم، وهذا هو حديث الروات: (كان العباس وسيماً جميلاً يركب الفرس المطهم ورجلاه يخطان في الارض ويقال له قمر بني هاشم).
والصفات قسمان: خلقيّة وخلقيّة؛ فالاُولى صفات البدن نحو الجمال وطول القامة وطول العنق وتناسب الأعضاء وما شاكل ذلك، والثانية صفات النفس نحو الكرم والشجاعة والعلم والحلم وماشابه ذلك.
الصفات البدنيّة للعبّاس (ع)
فقد كان سيّدنا العبّاس بن علي (ع) من أحسن الناس خلقة وشكلاً وأتمّهم بدناً ومحاسناً، ويعدّ من رجال بني هاشم المتميّزين بصفاتهم الجسمانية من الجسامة وطول القامة والجمال الباهر، وقد وصفه بعض العلماء ـ وهو أبو الفرج الأصبهانيّ ـ بأنّه كان جسيماً وسيماً يركب الفرس المطهّم ورجلاه تخطّان في الأرض.
إن أبا الفضل العبّاس الأكبر أبن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (ع) قد تكاملت فيه صفات المكارم وأجتمعت له مزايا الكمال وحاز جلّ الفضائل الموجبة للتنويه والإطراء له مدحاً وتقريطاً لأنّه كان شجاعاً شديد البأس ذا نجدة عظيمة وثبات مدهش وكان عالماً فقيهاً حكميّاً وخطيباً بليغاً وشاعراً فصيحاً ووفيّاً أبيّاً وكريماً جواداً صاحب مواسات وإيثار وكان ورعاً زاهداً عابداً، وقد وصفه أبو الفرج الأصبهانيّ في كتاب مقاتل الطالبيّين بقوله: كان العبّاس بن عليّ رجلاّ وسيماً جسيماً يركب الفرس المطهّم ورجلاه تخطّان في الارض وكان يسمّى قمر بني هاشم ويلقّب السقّا ويسمّيه أهل النسب أبا قربة ألخ.
وقد جمعت هذه الفقرات من صفات أبي الفضل (ع) الوسامة وهي عبارة عن بداعة الشكل والمنظر ويعبّر عنها بالملاحة وحسن الملامح ولطافة الشكل، وقمر بني هاشم نعت له بالجمال الذي هو أصل الوسامة لأنّ الوسامة رونق الجمال تبرزه الملامح وتظهره الشمائل وأثبت له نوراً من حيث أنّه قمر هذه القبيلة الممتازة بحسنها وجمالها، وطول القامة بقوله: رجلاه تخطّان الأرض، والجساة وهو عبارة عن كونه ممتلئ الاعضاء والبدن والبطولة وهو كذلك فإنّه بطل العلقميّ، وقد قال الأسديّون الذين ذفنوا الشهداء للإمام زين العبادين (ع): بقي بطل على المسنّاة، وقد قال الاُزري (رحمه الله) في تأبينه:
بطل أطلّ على العراق مجلّياً
فأعصوصبت فرقاً تمور شامها
والحلّيّ (رحمه الله) في تأبينه:
بطل تورّث من أبيه شجاعة
فيها اُنوف بني الضلالة ترغم
قمر بني هاشم حسنه وجماله
ومن صفات العبّاس بن أمير المؤمنين الحسن والجمال؛ لأنّه قمر بني هاشم وقد كساه الله تعالى ثوب الجمال ورداه برداء الحسن البديع وذاك ممّا يزيده فضلاً ويكسبه مجداً حيث أنّ المال رداء الله الذي ألبسه لأنبياءه وأمتنّ به على أهل الخير والصلاح وكما كساه الله الأتقياء البررة فقد سربل به الملوك العظاء والأشراف الكبراء.
فأبو الفضل العبّاس الأكبر بن أمير المؤمنين (ع) ممّن وسمهم الله بميسم الجمال والوسامة وكساهم أردية الحسن كرامة منه لأنّهم أهل الكرامة، وهذا أمر لا نحتاج إلى إثباته بأكثر ممّا ذكرنا وقد سمعت ما قاله أبو الفرج وكذلك غيره، فكونه يلقّب بقمر بني هاشم أمر معروف عند المؤرّخين وحسبك بمن يكون قمر هذه العشيرة الفائقة على عامّة البشر بجمالها الباهر وحسنها الزاهر وقد أكثر الشعراء من نعته بالجمال في مراثيه الكثيرة وأوّل من فتح لهم هذا الباب سيّد الشهداء أبو عبد الله الحسين (ع) ففي أسرار الشهادة للفاضل الدربنديّ (رحمه الله) (1) قال فيه الحسين (ع) لما وقف عليه:
أيا أبن أبي نصحت أخاك حتّى
سقاك الله كأساً من رحيق
ويا قمر منيراً كنت عوني
على كلّ النوائب في المضيق
وهي أربعة أبيات نذكرها تماماً في ملّ آخر، وقال الاُزريّ (رحمه الله):
الله أكبر أيّ بدر خرّ من
اُفق الهداية فأستشاط ظلامها
وقال السيّد جعفر الحلّيّ (رحمه الله) وهو يخبر أنّ الحسين (ع) مشى إليه حين سقط:
فمشى لمصرعه الحسين وطرفه
بين االنساء وبينه متقسّم
إلفاه محجوب الجمال كأنّه
بدر بمنحطم الوشيح ملثم
وللمؤلّف من قصيدة:
قمر العشيرة ليثها مقدامها
قنّاص أسد الخميس في الأخياس
حيث قد عرفت بعض صفات العبّاس بن أمير المؤمنين (ع) البدنيّة وهي الجسامة والوسامة وأمتداد القامة وطول العنق والساعدين مع عبالتهما فنعرّفك الآن بعض صفاته النفسيّة وأخلاقه الحميدة ومزاياه الكريمة.
مقتبس من كتاب (بطل العلقمي) للعلامة الشيخ عبدالواحد المظفر
1ـ أسرار الشهادة: ص323.