ما معنى ذلك؟ معناه أنَّ الحديث يريدنا أن نتطلَّع إلى أنّ الظّلم شيء مرفوض، وأنّه يمثّل مشكلة للحياة، ويمثّل مشكلة في الإسلام، وأنّ العدل هو الذي يحلّ المشكلة، وهو الّذي يمكن أن يحقِّق النموَّ للإنسان وللحياة. يريدنا أن نتطلَّع دائماً: إذا كانت مسألة المهدي (عج) هي مسألة أنْ يتحرّك ليقمع الظّلم ويبقى العدل هو الأساس في الحياة، لينشر العدل في العالَم، وليمحو الظّلم في العالَم بإرادة الله وبجهاده وجهاد المجاهدين معه، فكيف يمكن لنا أن نحدِّد موقفنا منها، أن نحدِّد موقفنا إذا كنّا ننتظره؟!
فإنّنا ننتظره من أجل أن يحقّق لنا العدل، لأنَّنا قوم نحبّ العدل، وإذا كنّا نحبّ العدل ونريده، فلا بدّ أن يتحوَّل هذا الحبّ للعدل إلى واقع في حياتنا... إذا كنت تحبّ شيئاً وتريد أن تحقِّقه، فمن الطبيعي أن تعمل على أن تحقّقه في حياتك وفي حياة الناس من حولك، فإذا كنت تحبّ العدل، فلا بدّ أن تكون أنت عادلاً في نفسك في ما لك وما عليك، عادلاً مع ربّك في ما لك وما عليك، عادلاً مع أسرتك، مع زوجتك في ما لها وما عليها، عادلاً مع أولادك وجيرانك وإخوانك ومَن تتعامل معهم، أن لا تظلمهم في كلمة، ولا تظلمهم في ضربة، ولا تظلمهم في مال تأخذه منهم، ولا تظلمهم في حقّ يستحقّونه عليك؛ هذا معنى أن تكون عادلاً، وإذا كنت غير ذلك، فعلى أيّ أساس تنتظر المهدي (ع)؟
إذا كنتَ رمزاً للظّلم في شخصيّتك، فأنتَ ممَّن يقمعهم (عج)، لأنّه يقمع الظلم كلّه، فإذا كانت حياتك تعبّر عن الظّلم، فكيف يمكن لك أن تنتظره؟
وهكذا، أن تتحرّك خطوة ثانية لتكون مع العادلين لا مع الظّالمين، لأنّك إذا كنت مع الظالمين؛ تؤيّدهم، تصفّق لهم، تنفّذ خططهم، تقاتل معهم، تعمل أعمالهم، إذا كنتَ كذلك، كانوا هم جماعتك، وكانوا هم حزبك، وكانوا هم الجهة التي تتحرّك فيها. إذا كانت جماعتك من الظالمين، فكيف تنتظر ظهوره، وهو يريد أن يقمع جماعتك وأن يقمعك، باعتبار التقائك معهم في هذا المجال؟
لهذا، انتظار الإمام المهدي (عج) يعني أنّك تتّخذ لنفسك موقفاً يجعلك في الدّائرة التي تتحرّك فيها معه، وفي الطريق التي تجاهد فيها معه. أنتَ تريد أن تكون معه؛ ألا نقول: اللّهم اجعلني من أنصاره وأعوانه والمستشهدين بين يديه، أعوانه أعوان العدل وأعوان الإسلام، أنصاره أنصار العدل وأنصار الإسلام، المستشهدون بين يديه هم الّذين يستشهدون على أساس رسالة الله، وعلى أساس دين الله، وعلى أساس ما أراده الله من حماية أوليائه والمستضعفين من عباده، فإذا كنتَ عوناً للكافرين، وإذا كنتَ نصيراً للظّالمين، وإذا كنت مقاتلاً مع المنحرفين، فكيف يمكن أن تكون من أنصاره وأعوانه والمستشهدين بين يديه؟!
فكِّروا في المسألة جيّداً، لأنّكم إذا كان تفكيركم على السطح، ولم يكن في العمق، فقد تفاجَأون بأنّكم من أعدائه ولستم من أنصاره.
العلامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله
* من كتاب "الجمعة منبر ومحراب".