كما ان هذا الكيان، ووفقا لهذا البعض، يعتقد ايضا ان ايران لن ترد خشية من ردة فعل الرئيس الامريكي المنتهية ولايته دونالد ترامب، المعروف برعونته وتهوره.
من المؤكد ان هذا التحليل خاطىء بالكامل، فهو يستند الى "فهم" هؤلاء المحللين لعناصر الموضوع الذي يقومون بتحليله، وليس الى الطبيعة الحقيقية لتلك العناصر كما هي ومن ضمنها ايران. فهناك "فهم" مفروض على عقلية غالبية هؤلاء المحللين، مفاده ان مصير الشعوب والارض بيد امريكا، وان الكيان الاسرائيلي قوة لا تقهر، وان ايران دولة كباقي الدول الاسلامية الاخرى، ليس امامها من سبيل الا التراجع امام الثنائي الامريكي الاسرائيلي.
يبدو واضحا ان القصور في فهم ايران، قيادة وشعبا، لدى هؤلاء المحللين، هو السبب الابرز وراء قصورهم في تحليل ما يجري. فإيران دولة مؤسسات، بكل ما تحمل هذه الكلمة من معنى، لذلك لن تتخذ قرارا الا بعد دراسة كل ابعاده العسكرية والامنية والسياسية والاقتصادية، على مستوى التكتيك والاستراتيجيات، ويمكن وصف قراراتها بانها مركبة وذات اوجه مختلفة ومستويات متباينة، ولم تكن يوما ذات بعد واحد، سطحي او غريزي.
ليس هناك من شك ان قرار الرد على اغتيال الشهيد فخزي زادة، اتُخذ ولا شك ولا لبس في ذلك، ولكنه لن يكون كما يعتقد البعض ، ضربة مقابل ضربة، بل ضربات مقابل ضربة. فالرد الايراني سيكون بوسائل مختلفة وبشكل مركب ومتدحرج، لتحقيق هدف واحد، وهو زيادة الكلفة التي سيدفعها الكيان الاسرائيلي ومن ورائه امريكا، على جريمة اغتيال الشهيد فخري زادة، وبتدفيع الثنائي الاسرائيلي الامريكي اثمانا باهظة على الجريمة، وجعل هذا الثنائي المجرم ان يفكرا الف مرة قبل ان يقدما على حماقة اخرى.
عندما نقول ان الرد الايراني مركب ومتدحرج فإننا نعي ما نقول، فردها لن يكون موجها الى نتنياهو وترامب فقط، بل سيكون موجها الى بايدن ايضا، الذي يعتقد المحللون ان ايران سوف لن ترد من اجل الابقاء على طريق عودته الى الاتفاق النووي سالكة. فالرد الايراني جاء في جانب منه منذ اليوم التالي للجريمة، عندما وافق البرلمان الإيراني على مشروع قانون يلزم منظمة الطاقة الذرية الإيرانية برفع تخصيب اليورانيوم في منشاة "فوردو" النووية إلى 20%. فيما البحث مازال متواصلا بين النواب حول إمكانية إيقاف الالتزام بالبرتوكول الإضافي لمعاهدة حظر نشر الأسلحة النووية.
قرار البرلمان الايراني الذي صادق عليه 232 نائبا من أصل 246 نائبا، والذي يقضي بإنتاج 120 كيلوغراما سنويا من اليورانيوم المخصب بنسبة 20%، كما يقضي بإعادة تصميم مفاعل "أراك" النووي الذي يعمل بالماء الثقيل الى ما كان عليه قبل الاتفاق النووي، لم يُتخذ فقط لتدفيع ترامب ثمن خروجه من الاتفاق النووي ، وتدفيع نتنياهو ثمن جريمته النكراء، وجعلهما يندمان على ما اقترفت ايديهما ، بل إتُخذ ايضا من إجل حرمان بايدن من البناء في ارض ترامب، عندما لوح بتوسيع نطاق الاتفاق النووي ليشمل البرنامج الصاروخي الايراني ونفوذ ايران السياسي في المنطقة، كشرط للعودة الى الاتفاق النووي.
رد ايران المدروس والمحسوب بدقة على الجريمة النكراء، لن يُفشل مخطط الثنائي ترامب ونتنياهو بمنع بايدن من العودة الى الاتفاق النووي فحسب، بل سيفشل ايضا استغلال بايدن للضغوط التي مارسها الثنائي المذكور على ايران، من خلال اعادته الى المربع الاول فيما يخص البرنامج النووي الايراني حصرا، عندما كان نائبا للرئيس الامريكي السابق باراك اوباما، اي الى عام 2015 بالتحديد.
اما رد ايران على الجريمة النكراء، فهو ايضا محتوم بالمطلق. فالثنائي ترامب ونتنياهو يعلمان قبل غيرهما، ان إيران التي اسقطت طائرة غلوبال هوك الامريكية العملاقة وهي على ارتفاع 20 الف متر فور دخولها الاجواء الايرانية، إيران التي أجبرت امريكا وبريطانيا على اطلاق سراح ناقلة النفط الايرانية بعد احتجازها في منطقة جبل طارق، إيران التي دكت اكبر قاعدة عسكرية امريكية في العراق بالصواريخ ردا عل اغتيال قائدي النصر على "داعش" الشهيدين قاسم سليماني وابومهدي المهندس، واعلنت عن ذلك جهار نهارا، في سابقة لم يشهدها العالم منذ الحرب العالمية الثانية، إيران التي ارسلت ناقلات النفط العملاقة وهي محملة بالوقود الى فنزويلا المحاصرة وهي ترفع العلم الايراني، دون ان يتجرأ الاسطول الامريكي في الكاريبي من الاقتراب منها، من المؤكد انها لن تتوانى برد الصاع الصاعين للارهابيين نتنياهو وترامب على جريمتهما النكراء في اغتيال العالم الشهيد فخري زادة.
منيب السائح