وفيما يتعلق بالصور الكاريكاتورية التي نشرتها مجلة شارلي ابدو الفرنسية والتي تسيئ الى خاتم الانبياء ونبي الاسلام محمد صلى الله عليه وآله، صرح الدكتور حسن نافعة ، ان الغرب ينتهج سياسة ازدواجية المعايير في التعامل مع المسيئين للحرمات الدينية فهو يمنع من محاولة انتقاد مسالة الهولوكوست ويسمح بالإساءة الى الاسلام ورسوله الاكرم، وفيما يلي نص الحوار الذي أجرته وكالة تسنيم مع الكاتب والمحلل السياسي المصري واستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة الدكتور حسن نافعة :
تسنيم: هل يمكن اعتبار نشر الرسوم المسيئة لنبي الإسلام محمد صلى الله عليه وآله من قبل صحيفة "شارلي إيبدو" الفرنسية وغيرها من الصحف الغربية على انه عمل منظم يتجاوز مهنة الاعلام وهل باعتقادك سيؤدي مثل هذا العمل المسيء الى خلق المزيد من الكراهية في المجتمعات الغربية؟
نافعة: لا انا لا اعتقد انه عمل منظم بمعنى انه موحى به من جهات رسمية معينة او انه مؤامرة عامة ضد الاسلام في المجتمعات الغربية وبالذات بين المثقفين والمفكرين وحال الصحافة والاعلام، هناك في الغرب من يعتقد ان الحرية أثمن ما في الوجود وبالتالي يريد ان يستخدم حريته في نقد كل شيء ومن هؤلاء مجلة شارلي ابدو، يعني هذه مجلة ساخرة معروفة وتنتقد كل شيء أي انها يمكن ان تنتقد المسيح ورئيس الجمهورية وكل شخص وبالتالي ترى ان توجيه النقد حتى للرسول الاكرم عليه الصلاة والسلام هو أمر مباح وفي تقديري ان هؤلاء لا يدركون بالضبط معنى القداسة عند المسلمين ومكانة رسول الله عليه الصلاة والسلام وبالتالي فهم يتصورون انهم لا يقومون بشيء موجه ضد احد وانما هم يعبرون عن فكرهم حتى لو كان هذا الفكر معاد لكل الاديان ومن ضمنها الدين الاسلامي ومعاد لأي شيء مقدس حتى لو كان الرسول عليه الصلاة والسلام.
وأضاف الدكتور بالقول: ما قلته الان لا ينفي ان هناك اوساط سياسية وفكرية تكن العداء للإسلام والمسلمين وتحاول ان تنتهز اي فرصة لتوجيه النقد للمسلمين ووصفهم بانهم إرهابيين!. وان الاسلام هو ايضا دين يحض على العنف والكراهية وان الجهاد هو فكرة شريرة او فكرة تعني قتل الاخر او قتل الراي المختلف او عدم التسامح مع الراي الاخر.. الخ، لذلك انا اضع كل هذا في سياق محاولة تشويه صورة الاسلام، وعلينا ايضا نحن المسلمين ان نفهم الغرب ونفهم كيف يفكر الغرب وان لا نعتبر اي شيء يقوله الغرب ولا نوافق عليه بمثابة المؤامرة او جزء من مؤامرة ممنهجة فهذا ليس صحيحاً.
تسنيم: الرئيس الفرنسي ماكرون صرح قبل أيام انه ليس في موقع يمكنه من اصدار حكم على قرار مجلة "شارلي إيبدو" الفرنسية في ما يخص نشر رسوم كاريكاتورية مسيئة للنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم مبررا ذلك بان بلاده تتمتع بحرية التعبير وحرية العقيدة فلماذا لا نرى مثل هذه الحرية عندما يتم التشكيك في محرقة الهولوكوست وقضايا اخرى تخص "إسرائيل" على سبيل المثال؟
نافعة: هذه القضية مهمة يعني ان يقول الرئيس الفرنسي انه لا يستطيع منع مجلة من ان تعبر بالطريقة التي تراها فهو صادق في هذا ولو اصدر الرئيس الفرنسي قرارا بالمنع وذهبت الصحيفة الى القضاء الفرنسي لأنصفها القضاء الفرنسي لان الدستور يطلق الحرية تماما بالتعبير بكل الاشكال بالفن والكلام والصور.. الخ، لكن كان بوسع رئيس الجمهورية ان يقول وجهة نظره الشخصية لان الحرية في نهاية الامر مسؤولية والحرية لا تعني الاساءة للآخرين وبالتالي كان يستطيع رئيس الجمهورية اذا اراد ان يكون منصفا للإسلام والمسلمين ان يقول انه لا يوافق على نشر صور للنبي عليه الصلاة والسلام لأنه يعرف كم ان هذه الصورة يمكنها ان تجرح مشاعر المسلمين، اما بالنسبة للشق الاخر للسؤال فنحن نعرف ايضا ان الغرب يمارس ما يمكن ان نسميه بالمعايير المزدوجة وبالذات في موضوع الهولوكوست واعتقد اننا راينا ان هناك محاكمات للغرب تقام لأشخاص حاولوا ان يقولوا كلمة انصاف بما يتعلق بالقضية الفلسطينية مثل "روجيه غارودي" على سبيل المثال وهو فيلسوف فرنسي له مكانته وله كلمته وكان قد بدأ ماركسياً وقدم للمحاكمة الى اخره. وهناك اخرين في الغرب قدموا للمحاكمة وبالتالي يعني هناك ازدواجية في التعامل مع مفهوم الحرية فهم يدافعون عن الحرية عندما تقوم بشتم المسلمين ولكنهم يمنعون هذه الحرية عن كل من ينتقد الهولوكوست والرقم الذي تدعيه الصهيونية بمقتل 6 ملايين شخص يهودي أثناء فترة حكم هتلر والى اخره.
وأضاف: لكن الحرية في الغرب قيمة كبيرة ويجب ان نعترف بهذا نحن المسلمون ونحن في بلادنا الاسلامية لا نمارس الحرية بنفس القدر ولا بذات الطريقة وفي كثير من بلادنا العربية والاسلامية يكفي ان تكتب تغريدة مناهضة لحكومة من الحكومات حتى تودع في السجن وبالتالي علينا ان ننظر الى انفسنا في المرآة ونعتبر اننا لا نمارس الحرية بمعناها الصحيح ولا حتى بمعناها الذي ينص عليها الدين الاسلامي نفسه.
تسنيم: هل تعتقد ان ثمة علاقة مباشرة هناك بين انتهاك حرمة المقدسات الاسلامية في فلسطين وفي مقدمتها مدينة القدس والمسجد الأقصى المبارك باعتباره القبلة الاولى للمسلمين وعدم تحرك المجتمعات الاسلامية لوقف هذه الانتهاكات، وبين تجرؤ الغرب على مواصلة هذه الانتهاكات ضد المقدسات الاسلامية منها نشر كاريكاتيرات مهينة للنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم والقران الكريم؟
نافعة: يجب ان نلقي اللوم على انفسنا فنحن تركنا الصهيونية تستبيح ارضنا وتستبيح دمائنا ومقدساتنا وانشغلنا بالانقسامات والحروب المذهبية وغيرها من الحروب الاهلية والطائفية التي تشمل معظم دول العالم الاسلامي للأسف الشديد والحركة الصهيونية وصلت الى درجة من القوة ومن العلاقة الوثيقة مع الغرب بحيث انها تستطيع وتسمح لنفسها بانتهاك المقدسات ونحن لا نتحدث فقط عن استباحة المسجد الاقصى او المقدسات الاسلامية لكننا نتحدث عن استباحة الدم فالإنسان الفلسطيني يقتل كل يوم وتنتزع منه ارضه يوما بعد يوم وهناك مستوطنات تتوسع في اسرائيل ولكن العالم العربي والاسلامي منقسم على نفسه ويصارع العربي اخاه العربي ويصارع المسلم اخاه المسلم وبالتالي ليس علينا الا لوم أنفسنا ويجب علينا لوم انفسنا اكثر من لومنا للآخرين، فالآخرين في موقف الاعداء وبالتالي علينا ان لا نلوم الاعداء بقدر ما نلوم انفسنا لأننا اهملنا في حق انفسنا وحق الدفاع عن شرفنا وارضنا.
تسنيم: ما هي مسؤولية اتباع الديانة المسيحية في الدول الاسلامية للضغط على الحكومات الغربية لصدها عن توجيه الاهانات للمقدسات الاسلامية او بعبارة اخرى كيف يمكن ان نستفيد من الأقليات المسيحية في الدول الإسلامية مثل الاقباط في مصر ودول إسلامية أخرى للحيلولة دون إهانة المقدسات الإسلامية في الغرب؟
نافعة: يجب اولا ان ننظر الى انفسنا وان نعامل اخوتنا في الوطن بصرف النظر عن ديانتهم وبصرف النظر عن طائفتهم لان لهم نفس الحقوق وعليهم نفس الواجبات وعندما نرسخ فكرة المواطنة داخل دولنا سنستطيع ان ندافع عن صورتنا لدى الخارج ونتحداه لكن المشكلة ان الغرب يأخذ علينا باستمرار اننا لا نتسامح حتى مع المختلفين داخل اوطاننا سواء المختلفين في الراي او العقيدة او الدين وغيرها، فاذا استطعنا ان نصل الى هذا المستوى من النضج وان نتعامل مع بعضنا كمواطنين لهم نفس الحقوق وعليهم ذات الواجبات فسوف تتحسن صورتنا كثيرا وهذه الصورة هي التي ستكون القوة التي ستجبر الغرب على احترامنا كبشر واحترام مقدساتنا وارضنا والتعامل معنا بجدية وهذا الامر هو اساس القوة العربية والاسلامية ولكن انقسامنا يغري الاخرين بانتهاك حريتنا وارضنا ومقدساتنا ولذلك يجب ان ننظر اولا الى انفسنا وان نصلح عيوبنا لان هذا هو بداية الطريق لكي نقنع الاخر او نردع او نجبر الاخر على احترامنا.