الولايات المتحدة يهمها فقط ان تكون هي الآمر الناهي وصاحبة السطوة الدائمة على الاخرين وهي لا تحترم العهود المواثيق الدولية التي وضعت لتأمين العلاقات والروابط بين امم الارض وصولا الى عالم ينعم بالهدوء والطمأنينة والاستقرار.
اميركا المستبدة تسوغ لنفسها التحكم والسيطرة غير آبهة بما يمكن ان يؤول اليه المجتمع الدولي، فهي مستعدة لاعادة شعوب العالم اجمع الى زمن الحروب والصراعات العالمية التي اشتعلت في القرن العشرين، كما انها مستمرة في تحركاتها السياسية والعسكرية الهوجاء بهدف تكريس تواجدها العدواني الباطل في افغانستان والعراق وشرق سوريا وحتى في مياه الخليج الفارسي.
لقد تنفس العالم الصعداء بعد التوقيع على الاتفاق النووي بين الجمهورية الاسلامية والدول الدائمة العضوية في مجلس (5+1) في 14 تموز 2015، كما شعرت الامم والشعوب ان شبح الحرب بدأ يتلاشى بالاعلان عن اتفاق فيينا التاريخي كونه حصيلة سنوات طويلة من المفاوضات واللقاءات الى ان تم تحقيقه.
بيد ان انسحاب رئيس الولايات المتحدة الاخرق دونالد ترامب من الاتفاق بتاريخ 8 /5 /2018 من جانب واحد عزز القناعة عند الرأي العام العالمي وخاصة لدى المراقبين الدوليين بان اميركا ليست بالطرف الذي يقيم وزنا للعهود او يفي بالمواثيق، بدليل انها تكاد تقيم القيامة في سبيل إثارة الشكوك حول التزام الجمهورية الاسلامية بالاتفاق النووي وهي تحاول ان تدس انفها في هذا الموضوع رغم ان القرار الدولي 2231 حدد الضوابط والواجبات الملقاه على عاتق اطراف الاتفاق النووي عدا اميركا طبعا باعتبارها خرجت منه بشكل احادي وباسلوب قبيح استنكرته جميع الاوساط العالمية.
إن الجمهورية الاسلامية متمسكة بالاتفاق النووي جملة وتفصيلا وملتزمة بقوانين الوكالة الدولية للطاقة الذرية التي لم يثبت لها اي تنصل ايران في هذا الاتجاه، وهو الامر الذي جعل اعضاء مجلس الامن الاولى باستثناء الولايات المتحدة يتجاهلون مسودة المشروع الاميركي الاخير الداعي الى تمديد الحظر التسليحي على ايران.
لقد منيت الولايات المتحدة بهزيمة نكراء على مستوى المجتمع الدولي بعدما فشلت في تمرير مشروعها الذي يصطدم بالقرار ٢٢٣١، وبما انها تخلت عن الاتفاق النووي اُحاديا فانه غير مسموح لها التحدث انطلاقا من حيثياته او استخدام آلية الزناد (سناب باك) التي تجيز للاعضاء العودة اليها لفض اي نزاع.
المؤكد ان الولايات المتحدة تلقت صفعة موجعة من هزيمتها الدبلوماسية في الامم المتحدة، لكنها تتوسل بقانون الغاب ولغة الغطرسة للالتفاف على الشرعية الدولية التي لا ترى اية مصلحة في تفجير العالم والغاء جميع الجهود السياسية والاختصاصية التي ساهمت في صياغة اتفاق فيينا بعد جهد جهيد ومفاوضات معقدة للغاية.
ان الجمهورية الاسلامية برهنت مرارا وتكرارا على انها لا يمكن ان تخضع للابتزاز الاميركي، وهي لن تتراجع ابدا عن حقوقها المنصوص عليها في الاتفاق النووي وقانون الوكالة الذرية الدولية ولاشك في ان الرسالة التي وجهها وزير الخارجية محمد جواد ظريف الى الرئيس الدوري لمجلس الامن الدولي المطالبة بالتصدي لتفرد واشنطن تحمل من الدلالات ما يؤكد ان ايران صامدة بقوة ولن تعبأ بالفوضى الاميركية وستذيق الولايات المتحدة مرارة العزلة مرة اخرى.
كما ان ايران تثمن وقوف الدول الصديقة بوجه السياسات الاميركية السلطوية وتقدر عاليا تصريح مندوب روسيا في فيينا ميخائيل اوليانوف الذي اعتبر مساعي اميركا لتقويض الاتفاق النووي بانها وقحة وغير مسبوقة في تاريخ الامم المتحدة.
بقلم الكاتب والاعلامي
حميد حلمي البغدادي