بسم الله والحمد لله ذي الجلال والإكرام والجمال والإنعام، والصلاة والسلام على صفوته الذين أظهروا لخلقه جماله وجلاله حبيبه الذي بلغ العلى بكماله المصطفى محمد وآله الطاهرين.
السلام عليكم أيها الأطائب ورحمة الله وبركاته، أهلاً بكم في لقاء جديد مع نماذج أخرى لأسمى تجليات الجمال الحق التي أشعت بأنوارها في ملحمة عاشوراء فخلدها الله وهو الجميل المطلق لتكون منارات لأحبابه يستهدون بها الى قربه ومرضاته.
وللعبادة الخالصة – أيها الأحباء – جمالية فريدة تجلت في عاشوراء بصور لم يشهد لها التأريخ الإنساني مثيلاً؛ نعرض لكم بعض مشاهدها في لقاء اليوم فتابعونا مشكورين.
كانت لنا في حلقة سابقة أيها الأكارم وقفة عن جمالية إحياء المعسكر الحسيني ليلة عاشوراء بالصلاة والدعاء وتلاوة القرآن، وهنا ينقل مؤرخوا تلك صورة عبادية أشد جمالاً وأبهى إخلاصاً، قال الشيخ عبدالله الحسن في كتاب (ليلة عاشوراء في الحديث والأدب):
(كان العباس – عليه السلام – في العبادة وكثرة الصلاة والسجود بمرتبة عظيمة، قال الصدوق – عليه الرحمة -: كان يبصر بين عينيه أثر السجود، لكن وأي عبادة أزكى وأفضل من نصرة ابن بنت رسول الله – صلى الله عليه وآله – وحماية بنات الزهراء، وسقي ذراري رسول الله – صلى الله عليه وآله –.
لقد روي أن أصحاب الحسين – عليه السلام – باتوا ليلة العاشر من المحرم ما بين قائم وقاعد وراكع وساجد، لكن خص العباس – عليه السلام – من بينهم بحفظ بنات رسول الله – صلى الله عليه وآله – وأهل بيته، كان راكباً جواده متقلداً سيفه آخذاً رمحه يطوف حول الخيم، لأنه آخر ليلة أراد أن يوفي ما كان عليه ويرفع الوحشة عن قلوب الهاشميات وقد أحاطت بهن الأعداء! وكانت عيون الفاطميات به قريرة، وعيون الأعداء منه باكية ساهرة، لأنهم خائفون مرعوبون من أبي الفضل – عليه السلام – وما تنام أعينهم خوفاً من بأسه وسطوته ونكال وقعته).
ونبقى أيها الأخوات والإخوة مع الشيخ الحسن وهو يحدثنا عن العبادة الزينبية التي بلغ فيها الذروة حب الله والرضا بقضائه والإخلاص لها في نوافلها الليلية التي كانت تقيمها في أشد حالات نزول المصاب، قال الشيخ عبدالله الحسن:
(كانت زينب – عليها السلام – في عبادتها ثانية أمها الزهراء – عليه السلام – وكانت تقضي عامة لياليها بالتهجد وتلاوة القرآن. قال بعض ذوي الفضل: إنها – صلوات الله عليها – ما تركت تهجدها لله تعالى طول دهرها، حتى ليلة الحادي عشر من المحرم.. قال: وروي عن زين العابدين – عليه السلام – أنه قال: رأيتها تلك الليلة تصلي من جلوس!
وعن الفاضل القائيني البيرجندي، عن بعض المقاتل المعتبرة، عن مولانا السجاد – عليه السلام – أنه قال: إن عمتي زينب – عليها السلام – مع تلك المصائب والمحن النازلة بها في طريقنا الى الشام ما تركت نوافلها الليلية.
وعن الفاضل المذكور، إن الحسين – عليه السلام – لما ودع أخته زينب – عليها السلام – وداعه الأخير قال لها: يا أختاه لا تنسيني في نافلة الليل.
وفي مثير الأحزان للعلامة الشيخ شريف الجواهري قدس سره: قالت فاطمة بنت الحسين – عليهما السلام – : وأما عمتي زينب – عليها السلام – فإنها لم تزل قائمة في تلك الليلة أي العاشرة من المحرم في محرابها تناجي ربها، فما هدأت لنا عين، ولا سكنت لنا رنة).
وننتقل بكم أيها الأحبة الى مشهد خالد تبتهج بذكره قلوب كل محب للصلاة، إنه مشهد صلاة الحسينيين فريضة الظهر وعساكر الذين إستحوذ عليهم الشيطان تمطرهم بالسهام، قال الطبري بعد ذكر استشهاد طائفة من اصحاب سيد الشهداء صلوات الله عليه وعليهم:
(فلما رأى ذلك أبو ثمامة عمرو بن عبدالله الصائدي، قال للحسين: يا أباعبدالله، نفسي لك الفداء إني أرى هؤلاء قد اقتربوا منك، ولا والله لا تقتل حتى أقتل دونك إن شاء الله، وأحب أن ألقي ربي وقد صليت هذه الصلاة التي دنا وقتها؛ قال: فرفع الحسين رأسه ثم قال: ذكرت الصلاة، جعلك الله من المصلين الذاكرين!
نعم، قد دنى أو وقتها، سلوهم أن يكفوا عنا حتى نصلي؛ فقال لهم الحصين بن نمير: إنها لا تقبل؛ فقال له حبيب بن مظاهر: لا تقبل زعمت! الصلاة من آل رسول الله – صلى الله عليه وآله – لا تقبل وتقبل منك! ثم إن أبا ثمامة قال للحسين – عليه السلام – وقد صلى: يا أباعبدالله إني قد هممت أن ألحق بأصحابي، وكرهت أن أتخلف وأراك وحيداً من أهلك قتيلا، فقال له الحسين – عليه السلام -: تقدم فإنا لاحقون بك عن ساعة، فتقدم فقاتل حتى أثخن بالجراحات فقتله قيس بن عبدالله الصائدي إبن عم له، كان له عدوا.
وكان حسيني آخر قد سبق أبا ثمامة في الإلتحاق بمحمد وعلي – صلى الله عليهما وآلهما – كان إستشهاده أثناء الصلاة وهو يتعبد لله بصد سهام الباغين عن الحسين وصحبه وهم يصلون.
قال السيد ابن طاووس: حضرت صلاة الظهر، فأمر الحسين – عليه السلام – زهير بن القين وسعيد بن عبدالله الحنفي أن يتقدما أمامه بنصف من تخلف معه، ثم صلى بهم صلاة الخوف. فوصل الى الحسين – عليه السلام – سهم، فتقدم سعيد بن عبدالله الحنفي، ووقف يقيه بنفسه ما زال، ولا تخطى حتى سقط الى الأرض وهو يقول: اللهم العنهم لعن عاد وثمود، اللهم أبلغ نبيك عني السلام، وأبلغه ما لقيت من ألم الجراح، فإني أردت ثوابك في نصر ذرية نبيك، ثم قضى نحبه – رضوان الله عليه – فوجد به ثلاثة عشر سهما سوى ما به من ضرب السيوف وطعن الرماح.
وأخيراً نشير – مستمعينا الأكارم – الى أن جمالية هذه الصلاة العاشورائية الخالدة قد زادها إشراقة أن الذين أذّن لها هو الحسين – عليه السلام – مجسداً جمالية هذا الأذان بدعوة حتى استحوذ عليهم الشيطان للصلاة عسى أن تنهاهم عن منكر اتباع الشيطان.
قال الأستاذ أحمد حسين يعقوب في كتابه (كربلاء الثورة والمأساة):
(في رواية للطبري، قال أبو مخنف: فأذن الحسين بنفسه، فلما فرغ من الأذان نادى: يا ويلك يا عمر بن سعد أنسيت شرائع الإسلام، ألا تقف عن الحرب حتى نصلي وتصلون ونعود الى الحرب؟ فلم يجبه، فنادى الحسين: "استحوذ عليهم الشيطان").
وبهذا نصل مستمعينا الأفاضل الى ختام حلقة أخرى من برنامجكم ما رأيت إلا جميلا إستمعتم لها من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران.
تقبل الله منكم جميل المتابعة ودمتم في مرضاة الله منعمين والحمد لله رب العالمين.