البث المباشر

تفاني الأنصار في الحب القدسي

السبت 28 سبتمبر 2019 - 11:35 بتوقيت طهران

إذاعة طهران- ما رايت الا جميلا: الحلقة 16

السلام عليكم مستمعينا الأكارم ورحمة الله وبركاته.. معكم في الحلقة السادسة عشر من هذا البرنامج.. نستعين فيها بأنوار العين الزينبية لإستكشاف مشاهد أخرى من الجماليات الفريدة التي جلاها للعالمين أبطال الملحمة العاشورائية الخالدة..
في هذا اللقاء نلتقي بثلاث مشاهد عبر فيها حسينيوها عن أزكى صور التفاني في الوفاء والحب لمن جعل الله حبه لمحبه كما يصرح الصادق الأمين – صلى الله عليه وآله – في حديثه الشهير: "أحب الله من أحب حسيناً".
تابعونا أيها الأطائب وحلقة اليوم من برنامجكم: ما رأيت إلا جميلا.
أعواءنا المستمعين.. ننقل لكم المشهد من كتاب (المجالس الفاخرة في مصائب العترة الطاهرة).. للعلامة الجليل آية الله السيد عبدالحسين شرف الدين.. فبعد أن أشار الى صلاة مولى الموحدين وأميرالمؤمنين – عليه السلام – ليلة الهرير في واقعة صفين وسهام الأمويين تمطره قال – رضوان الله عليه -:
(وقد نسج على منواله في ذلك شبله باب الرحمة، وأبو الأئمة يوم عاشوراء وقد اجتمع عليه ثلاثون ألفاً، وافترقوا عليه أربع فرق: فرقة بالسيوف وفرقة بالرماح، وفرقة بالسهام، وفرقة بالحجارة، فبينا هو في هذه الحالة، إذ حضرت صلاة الظهر، فأمر صلوات الله عليه زهير بن القين، وسعيد بن عبدالله الحنفي أن يتقدما أمامه مع نصف من تخلف معه، ثم صلى بهم صلاة الخوف، وتقدم سعيد بن عبدالله فوقف يقيه السهام بنفسه، ما زال وما تخطى حتى سقط الى الأرض وهو يقول: اللهم العنهم لعن عاد وثمود. اللهم أبلغ نبيك عني السلام، وأبلغه ما لقيت من ألم الجراح، فإني أردت ثوابك في نصرة ابن بنت نبيك، ثم قضى نحبه رضوان الله عليه.
وفي رواية: أنه لما سقط قال: يا سيدي يا ابن رسول الله هل وفيت؟ فاستعبر الحسين باكياً وقال: نعم رحمك الله وأنت أمامي في الجنة.

رجال تواصوا حيث طابت أصولهم

وأنفسهم بالصبر حتى قضوا صبرا

حماة حموا خدرا أبى الله هتكه

فعظمه شأنا وشرفه قدرا

فأصبح نهبا للمغاوير بعدهم ومنه

بنات المصطفى أبرزت حسرى


مستمعينا الأفاضل، هذا الموقف عن الشهيد الحنفي إشتمل على جماليات عدة إستنبط أحدها سماحة السيد نبيل الحسيني في كتابه (الجمال في عاشوراء)، هذا الوجه الجمالي هو الوفاء في أسمى مصاديقه، قال حفظه الله تحت عنوان (جمال الوفاء في التفاني حتى الموت):
بدا مشهد جمالي آخر من مشاهد الجمال في عاشوراء وهو بذل أقصى الجهد في الحب حتى الموت، وبذل أقصى الجهد في الوفاء حتى الموت.
وهذا المشهد الذي تجلى فيه جمال الحب والوفاء حتى الفناء، ظهر بشكل خاص عند استشهاد سعيد بن عبدالله الحنفي وعمرو بن قرظة الأنصاري.
فأما سعيد فإنه تقدم أمام الحسين عليه السلام ومعه زهير بن القين حينما وقف الإمام الحسين يصلي بمن بقي معه من أصحابه صلاة الخوف فاستهدف لهم – أي جعل نفسه هدفاً لأعداء الحسين عليه السلام – يرمونه بالنبل يميناً وشمالاً قائماً بين يديه كلما أخذ الحسين عليه السلام – بالقيام والركوع – قام بين يديه؛ فما زال كذلك حتى سقط الى الأرض وهو يقول: اللهم العنهم لعن عاد وثمود، وأبلغ نبيك مني السلام وابلغه ما لقيت من ألم الجراح، فإني أردت بذلك ثوابك في نصرة ذرية نبيك.
والتفت الى الحسين قائلاً: أوفّيت يا ابن رسول الله؟ قال:
نعم أنت أمامي.
في الجنة وقضى نحبه، فوجد به ثلاثة عشر سهما؛ سوى ما به من ضرب السيوف، وطعن الرماح.
وأما عمرو بن قرظة الأنصاري فإنه استأذن من الحسين عليه السلام فأذن له، فقاتل قتال المشتاقين الى الجزاء، وبالغ في خدمة سلطان السماء، حتى قتل جمعاً كثيراً من أحزاب ابن زياد، وجمع بين سداد وجهاد، وكان لا يأتي الى الحسين سهم إلا اتقاه بيده، ولا سيف إلا تلقاه بمهجته، فلم يكن يصل الى الحسين سوء حتى اثخن بالحراج، فالتفت الى الحسين وقال: يا ابن رسول الله أوفيت؟ قال: "نعم أنت أمامي في الجنة، فاقرئ رسول الله مني السلام، وأعلمه أني في الأثر".
وهذا الجمال العاشورائي فريد في وجودهعلى مرّ التاريخ، وسيبقى فريداً حتى الظهور؛ إذ لم ير مثله قط لأن الملامح الجمالية التي تكونت منها هذه المشاهد لا تجتمع في موضع آخر. فمن له القدرة أن يأتي بمثل هذا الحب والوفاء وبذل أقصى غاية الجهد حتى الموت وكأنه يزول أشعة الشمس رويداً رويداً عندما تؤول الى الغروب ثم تنطفئ.
ومن له هذا المستوى من الإخلاص في النية، مع تحمل هذه الآلام، والتعرض للطعن والضرب، وهو يقي بنفسه حجة الله، ويرجو في ذلك رضا الله ورضا رسوله صلى الله عليه وآله وسلم.
جمال ليس له نظير في الوجود كما عبر عنه سيد الشهداء عليه السلام:
"إني لا أعلم أصحاباً خيراً ولا أوفى من أصحابي".
أيها الإخوة والأخوات، وتبلغ جماليات الوفاء لسيد الشهداء والتفاني في حبه – صلوات الله عليه – إحدى ذراها في موقف أحد أنصاره وصل كربلاء بعد استشهاد أبي عبدالله الحسين – عليه السلام – فعبر عن وفائه الجميل بتفانيه عن حفظ الحسين في أهل بيته والإستماتة حتى القتل في الدفاع.
وكان من جميل صنع الله تبارك وتعالى بهذا النصير الوفي أن وهبه شجاعة في قتاله الأعداء وهو وحيد بشجاعة سيد الشجعان من الأولين والآخرين أسد الله الغالب الإمام علي بن أبي طالب صلوات الله عليه.
هذا النصير الوفي والغيور هو الهفهاف بن المهند الراسبي وكان آخر من استشهد من أصحاب الحسين – عليه السلام – في أرض الطف، وقد ذكر موقفه المحدث الخبير الفضيل بن زبير الكوفي وهو من أصحاب الإمامين الصادق والباقر – عليهما السلام – في كتابه القيم (تسمية من قتل مع الحسين – عليه السلام – من ولده وإخوته وأهل بيته وشيعته)؛ قال الفضيل رضوان الله عليه:
"خرج الهفهاف بن المهند الراسبي، من البصرة حين سمع بخروج الحسين عليه السلام فسار حتى انتهى الى العسكر – أي الطف – بعد قتله، فدخل معسكر عمر بن سعد ثم انتضى سيفه وقال: يا أيها الجند المجند، أنا الهفهاف بن المهند، أذودكم عن عيال محمد ثم شد فيهم.. قال علي بن الحسين عليهما السلام: فما رأى الناس منذ بعث الله محمد – صلى الله عليه وآله – فارساً بعد علي بن أبي طالب عليه السلام – قتل بيده ما قتل منهم – يعني في موقف واحد -، فتداعوا فاحتشوه حتى قتلوه رحمه الله تعالى".
وقد ذكر بعض المؤرخين أنه بعض عساكر الجيش الأموي سعوا لثني الهفهاف عن قتالهم فقالوا له: ويحك لا تقتل نفسك فقد قتل صاحبك – يعنون الحسين عليه السلام -، لم تقتل نفسك فأجابهم: ويلكم من غضب الجبار لا خير في العيش بعده.. إن قتل الحسين فلأقتلن في ذودكم عن عيالاته...
ووفى – رضوان الله عليه – مضجراً بدماء العشق والوفاء.
والى هنا نصل بكم أيها الإخوة والأخوات الى ختام حلقة أخرى من برنامجكم ما رأيت إلا جميلا إستمعتم لها من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران.
تقبل الله منكم جميل الإصغاء ودمتم في رعايته سالمين.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة