البث المباشر

عبدالله بن عفيف الأزدي وجمالية الإباء والشجاعة والجهر بكلمة الحق في وجة السلطان الجائر

السبت 28 سبتمبر 2019 - 11:51 بتوقيت طهران

إذاعة طهران- ما رايت الا جميلا: الحلقة 18

السلام عليكم مستمعينا الأكارم ورحمة الله وبركاته.. 
وأهلاً بكم في حلقة جديدة من هذا البرنامج هي الثامنة عشر.
أيها الأفاضل، نتأمل معاً في لقاء اليوم بجماليات من الإباء الحسيني والشجاعة الحيدرية تجلت في موقف مجاهد محمدي عريق التحق في اليوم الثاني عشر من شهر محرم الحرام سنة إحدى وستين بالحسين وأنصاره – عليه وعليهم السلام -؛ التحق بهم ثلاثة أيام من إستشهادهم يوم عاشوراء ليصير من سادة الشهداء الذين جهروا بكلمة الحق بوجه السلطان الجائر، إنه العبد الصالح عبدالله بن عفيف الأزدي.. وقد استشهد – رضوان الله عليه – في اليوم نفسه الذي واجهت فيه الصديقة الطاهرة زينب الكبرى – سلام الله عليها – الطاغية ابن زياد بمقولتها العرفانية الخالدة: ما رأيت إلا جميلا.
أيها الأكارم.. روى المؤرخون أن الطاغية عبيدالله بن زياد وبعدما أدخلت عليه أسارى العيالات النبوية وسمع من الصديقة زينب الكبرى والإمام زين العابدين – صلوات الله عليهما – ما حوّل شماتته غصة، إمتلأ غيضاً فأمر بإنزال في دار قرب المسجد الأعظم في الكوفة ثم صعد المنبر لكي ينفس غيضه بكيل الشتائم لأهل البيت النبوي – عليه السلام – قال السيد ابن طاووس في كتاب (اللهوف):
(ثم إن ابن زياد لعنه الله صعد المنبر وقال في بعض كلامه: الحمد لله الذي أظهر الحق وأهله ونصر أميرالمؤمنين يزيد وأشياعه، وقتل الكذاب إبن الكذاب!!!
فما زاد على هذا الكلام شيئاً، حتى قام إليه عبدالله بن عفيف الأزدي – وكان من خيار الشيعة وزهادها، وكانت عينه اليسرى قد ذهبت يوم الجمل والأخرى يوم صفين، وكان يلازم المسجد الأعظم فيصلي فيه الى الليل – فقال: يا ابن مرجانة، إن الكذاب ابن الكذاب أنت وأبوك، ومن استعملك وأبوه، يا عدو الله، أتقتلون أولاد النبيين وتتكلمون بهذا الكلام على منابر المسلمين، قال الراوي: فغضب ابن زياد وقال: من هذا المتكلم؟ فقال: أنا المتكلم يا عدو الله، أتقتل الذرية الطاهرة التي قد أذهب الله عنها الرجس، وتزعم أنك على دين الإسلام؟ وا غوثاه، أين أولاد المهاجرين والأنصار ينتقمون منك ومن طاغيتك اللعين ابن اللعين على لسان محمد رسول رب العالمين؟ قال الراوي: فازداد غضب ابن زياد لعنه الله، حتى انتفخت أوداجه، وقال: علي به، فتبادرت الجلاوزة، من كل ناحية ليأخذوه، فقامت الأشراف من الأزد من بني عمه، فخلصوه من أيدي الجلاوزة وأخرجوه من باب المسجد وانطلقوا به الى منزله.
مستمعينا الأفاضل، كانت كلمة عبدالله بن عفيف الأزدي هذا المجاهد العلوي الحسيني الغيور من أوضح مصاديق الجهر بكلمة الحق في وجه السلطان الجائر.. والذي يستشهد على طريق الجهر بها هو من سادة الشهداء كما ينص على ذلك الحديث النبوي الشهير حيث قال الصادق الأمين – صلى الله عليه وآله - :
"سيد الشهداء حمزة ورجل قال كلمة الحق بوجه سلطان جائر".
ويزيد من جمالية موقف عبدالله بن عفيف أنه جهر بكلمة الحق بوجه طاغية بلغ الذروة في البطش اللئيم والإرهاب الغادر فجاءت في أجواء ملئت بالإستسلام والخنوع..
كما أن مما يزيد من جمالية تلك الكلمة أنها جاءت غيرة على أقدس المقدسات وحرمات خير المرسلين وسيد النبيين – صلى الله عليه وآله -؛
وتستمر جماليات موقف هذا العبد المحمدي الصالح وهو يظهر شجاعة فريدة في مقاتلة البغاة الجفاة وهو وحيد فريد يبصر بعين إبنته الوفية.. فلا يقدرون عليه إلا بالمكر والغدر، جاء في تتمة رواية السيد ابن طاووس:
فقال ابن زياد: إذهبوا الى هذا الأعمى – أعمى الأزد – فآتوني به.. فانطلقوا إليه، فلما بلغ ذلك الأزد اجتمعوا واجتمعت معهم قبائل اليمن ليمنعوا صاحبهم. وبلغ ذلك ابن زياد، فجمع قبائل مضر وضمهم الى محمد بن الأشعث وأمرهم بقتال القوم.
قال الراوي: فاقتتلوا قتالا شديدا، حتى قتل بينهم جماعة من العرب. قال: ووصل أصحاب ابن زياد لعنه الله الى دار عبدالله بن عفيف، فكسروا الباب واقتحموا عليه.
فصاحت إبنته: أتاك القوم من حيث تحذر. فقال: لا عليك، ناوليني سيفي، فناولته إياه، فجعل يذب عن نفسه ويقول: 

انا ابن ذي الفضل عفيف الطاهر

عفيف شيخي وابن أم عامر

كم دارع من جمعكم وحاسر

وبطل جدلته مغاوري


قال الراوي: وجعلت إبنته تقول: يا أبت ليتني كنت رجلاً أخاصم بين يديك هؤلاء القوم الفجرة، قاتلي العترة البررة. وجعل القوم يدورون عليه من كل جهة، وهو يذب عن نفسه وليس يقدر عليه أحد، وكلما جاؤوه من جهة قالت: يا أبت جاؤوك من جهة كذا، حتى تكاثروا عليه وأحاطوا به. فقالت إبنته: وا ذلاه يحاط بأبي وليس له ناصر يستعين. فجعل يدير سيفه ويقول:

أقسم لو يفسح لي عن بصري

ضاق عليكم موردي ومصدري


قال الراوي: فما زالوا به حتى أخذوه، ثم حمل فأدخل على ابن زياد.
ونلتقي أيها الإخوة والأخوات في خاتمة هذه الرواية بجمالية الإباء لإذلال الطواغيت وجمالية محاججتهم المبهتة تتجلى في موقف عبدالله بن عفيف الأزدي وهو تلميذ المدرسة المحمدية العلوية الحسينية.. لنتأمل معاً في خاتمة الرواية:
قال الراوي: فما زالوا به حتى أخذوه، ثم حمل فأدخل على ابن زياد. فلما رآه قال: الحمد لله الذي أخزاك.. فقال له عبدالله بن عفيف: يا عدو الله، بماذا أخزاني الله؟

والله لو يفسح لي عن بصري

ضاق عليكم موردي ومصدري


فقال له ابن زياد: ماذا تقول يا عبدالله في أميرالمؤمنين عثمان بن عفان؟ فقال: يا عبد بني علاج، يا ابن مرجانة، ما أنت وعثمان بن عفان أساء أم أحسن، وأصلح أم أفسد، والله تعالى ولي خلقه يقضي بينهم وبين عثمان بالعدل والحق، ولكن سلني عنك وعن أبيك وعن يزيد وأبيه.
فقال ابن زياد: والله لا سألتك عن شيء أو تذوق الموت غصة بعد غصة.
فقال عبدالله بن عفيف: الحمد لله رب العالمين، أما إني قد كنت أسأل الله ربي أن يرزقني الشهادة من قبل أن تلدك أمك، وسألت الله أن يجعل ذلك على يدي ألعن خلقه وأبغضهم إليه، فلما كف بصري يئست من الشهادة، والآن فالحمد لله الذي رزقنيها بعد اليأس منها، وعرفني الإجابة بمنه في قديم دعائي.
فقال ابن زياد: اضربوا عنقه فضربت عنقه وصلب في السبخة، وهكذا التحق عبدالله بن عفيف الأزدي – رضوان الله عليه – بشهداء كربلاء وصار من سادة الشهداء كريماً على سيدهم المطلق من الأولين والآخرين أبي عبدالله الحسين – صلوات الله عليه -.
أجمل الشكر نقدمه لكم مستمعينا الأطائب على جميل متابعتكم لحلقة اليوم من برنامجكم ما رأيت إلا جميلا إستمعتم له من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران، دمتم في مرضاة الله غانمين والحمد لله رب العالمين.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة