بسم الله وله الحمد والمجد والثناء ذوالجلال والإكرام والصلاة والسلام على منارات نوره وجلاله وجماله وإكرامه للأنام حبيبه وحبيبنا المصطفى وآله المختار.
السلام عليكم مستمعينا الأكارم ورحمة الله وتقبل الله منكم جميل تقربكم إليه تبارك وتعالى بتعظيمكم للشعائر الحسينية وهي من أزكى مصاديق شعائره التي جعل تعظيمها علامة صدق الإيمان وتقوى القلوب.
معكم أيها الأطائب في حلقة أخرى من هذا البرنامج ننقل لكم فيها جماليات جديدة في ملحمة عاشوراء الخالدة، جماليات نبهتنا إليها الصديقة الحوراء زينب الكبرى – سلام الله عليها – بكلمتها العرفانية الخالدة عن تلكم الملحمة: ما رأيت إلا جميلا.
أيها الأحبة، نستجلي في لقاء اليوم جمالية بعض مظاهر معرفة الإمام ومواساته التي جسدها الحسينيون والزينبيات، معرفة أثبتت عظيم رسوخها في قلوبهم وقلوبهن تلك الموقف المشرقة في نصرة الإمام الحق..
ننقل لكم بعض مشاهد ليلة عاشوراء التي نقلها العلامة الفقيه الشيخ الحائري في كتابه (معالي السبطين).. ونبدأ بالمشهد التالي:
(كان نافع بن هلال البجلي من أخص أصحاب الإمام الحسين – عليه السلام – به، وأكثرهم ملازمة له سيما في مضان إحتمال تعرضه لإغتيال جواسيس المعسكر الأموي، وفي ليلة عاشوراء رأى الحسين – عليه السلام – وقد خرج في جوف الليل الى خارج الخيام يتفقد التلاع والعقبات فتبعه، فسأله الحسين – عليه السلام – عما أخرجه قال: يا بن رسول الله أفزعني خروجك الى جهة معسكر هذا الطاغي.
فقال الحسين – عليه السلام - : إني خرجت أتفقد التلاع والروابي مخافة أن تكون مكمنا لهجوم الخيل يوم تحملون ويحملون، ثم رجع – عليه السلام – وهو قابض على يد نافع، ويقول: هي هي والله وعد لا خلف فيه. ثم قال له: يا نافع ألا تسلك بين هذين الجبلين في جوف الليل وتنجو بنفسك؟ فوقع نافع على قدميه يقبلهما ويقول: ثكلتني أمي، إن سيفي بألف وفرسي مثله، فوالله الذي منّ بك علي لا فارقتك حتى يكلا).
إخوة الإيمان؛ ولم تقتصر جمالية معرفة نافع بن هلال لحق إمام زمانه – عليه السلام – عند هذا الوفاء والفداء الجميل، بل يستمر في صورة جميلة ثانية نتلمسها في تتمة هذه الرواية حيث جاء فيها:
(ثم دخل الحسين – عليه السلام – خيمة العقيلة الحوراء زينب الكبرى – سلام الله عليها – ووقف نافع بإزاء الخيمة ينتظره فسمع زينب تقول له: أخي هل استعلمت من أصحابك نياتهم فقال لها: والله لقد بلوتهم، فما وجدت فيهم إلا الأشوس يستأنسون بالمنية دوني استيناس الطفل الى محالب أمه.
قال نافع: فلما سمعت هذا منه بكيت وأتيت حبيب بن مظاهر وحيكت ما سمعت.. قال حبيب: والله لو لا انتظار أمره – عليه السلام – لعاجلتهم بسيفي هذه الليلة: قلت: إني خلفته عند أخته وأظن النساء شاركنها في الحسرة فهل لك أن تجمع أصحابك وتواجهوهن بكلام يطيب قلوبهن.
فقام حبيب ونادى: يا أصحاب الحمية وليوث الكريهة، فتطالعوا من مضاربهم كالأسود الضارية، فقال لبني هاشم: إرجعوا الى مقركم لا سهرت عيونكم.. ثم التفت الى أصحابه وحكى لهم ما شاهده وسمعه نافع، فقالوا بأجمعهم: والله الذي من علينا بهذا الموقف لو لا انتظار أمره – عليه السلام – لعاجلناهم بسيوفنا الساعة! فطب نفسا وقر عيناً فجزاهم خيرا.
وقال: هلموا معي لنواجه الفاطميات، نطيب خاطرهن، فجاء حبيب ومعه أصحابه ونادى: يا معشر حرائر رسول الله – صلى الله عليه وآله – هذه صوارم فتيانكم آلوا ألا يغمدوها إلا في رقاب من يريد السوء فيكم، وهذه أسنة غلمانكم أقسموا ألا يركزوها إلا في صدور من يفرق ناديكم.
فخرجت نساء الأنصار وقلن: أيها الطيبون حاموا عن بنات رسول الله – صلى الله عليه وآله – وحرائر أميرالمؤمنين – عليه السلام – فضج القوم بالبكاء حتى كأن الأرض تميد بهم.
أيها الإخوة والأخوات، ونشهد في تتمة هذه الرواية صورة تفجر دموع المؤمنين فهي ذروة في جمال المواساة سجلتها إحدى غيورات المؤمنات، إنها السيدة الجليلة زوجة علي بن مظاهر الأسدي، فقد جاء في تتمة الرواية أن الحسين – عليه السلام – خطب في أصحابه ليلة عاشوراء وختمها بأن قال: (من كان في رحله إمرأة فلينصرف بها الى بني أسد، فقام علي بن مظاهر وقال: ولماذا يا سيدي؟! .. فقال – عليه السلام -: إن نسائي تسبى بعد قتلي وأخاف على نسائكم من السبي، فمضى علي بن مظاهر الى خيمته فقامت زوجته إجلالا له فاستقبله وتبسمت في وجهه وقالت: يا ابن مظاهر إني سمعت الحسين خطب فيكم وسمعت في آخرها همهمة ودمدمة فما علمت ما يقول؟ قال: إن الحسين – عليه السلام – قال لنا: ألا ومن كان في رحله إمرأة فليذهب بها الى بني عمها لأني غداً أقتل ونسائي تسبى.
فقالت: وما أنت صانع؟ قال: قومي حتى ألحقك ببني عمك بني أسد، فقامت وشجت رأسها بعمود الخيمة وقالت: والله ما أنصفتني يا بن مظاهر، أيسرك أن تسبى بنات رسول الله – صلى الله عليه وآله – وأنا آمنة من السبي؟ أيسرك أن تسلب زينب إزارها من رأسها وأنا أتستر بإزاري؟ أيسرك أن تذهب من بنات الزهراء أقراطها وأنا أتزين بقرطي؟ أيسرك أن يبيض وجهك عند رسول الله – صلى الله عليه وآله – ويسود وجي عند فاطمة الزهراء – عليها السلام – أنتم تواسون الرجال ونحن نواسي النساء.
فرجع علي بن مظاهر الى الحسين – عليه السلام – وهو يبكي، فقال له الحسين – عليه السلام -: ما يبكيك؟ فقال: سيدي أبت الأسدية إلا مواساتكم، فبكى الحسين – عليه السلام – وقال: جزيتم عنا خيرا.
جزاكم الله مستمعينا الأكارم خير الجزاء وأجمله على جميل إصغائكم لحلقة اليوم من برنامجكم ما رأيت إلا جميلا.
قدمناها لكم من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران، دمتم بكل خير وفي رعايته آمنين والحمد لله رب العالمين.