وقد يلجأ إليها حتى الذين لا يؤمنون بها ، فقال الله عزَّ وجل : ( فَإِذَا مَسَّ الإِنسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلنَاهُ نِعمَةً مِنَّا قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلمٍ بَل هِيَ فِتنَةٌ وَلَكِنَّ أَكثَرَهُم لا يَعلَمُونَ ) الزمر :آية ۴۹ .
أما في حياة المؤمن ، فالدعاء يشكل أساساً متيناً لشخصيته ، لأنه يؤمن بالله تعالى القادر على كل شيء ، والذي بيده ملكوت السماوات والأرض ، فالله هو الرحمن الرحيم ، الذي وسعت رحمته كل شيء ، وهو اللطيف بعباده ، الرؤوف بمخلوقاته ، وهو القادر على ما يريد ، الكريم الذي لم يجعل بينه وبين عبده ما يحجبه عنه سبحانه وتعالى .
فقد جعل أبوابه مفتَّحة لدعاء الداعين ، وقال لعباده : ( ادعُونِي أَستَجِب لَكُم ) غافر : آية ۶۰ .
والمؤمن يتحبب إلى ربه وخالقه سبحانه بالتحدث إليه ، وطلب المزيد من رضاه ورحمته ، ويسأنس بالدعاء والمناجاة إذا استوحش من الدنيا ، ويتلذذ بالقرب منه تعالى ، والدعاء مناجاة تزول به الهموم والكروب ، وتطمئن النفس باللجوء إلى مَن بيده مقاليد الأمور .
والمؤمن يلجأ إلى الله ويثق بقدراته ، لأن الإنسان كلما ازداد معرفة بالله وعلماً ازداد إيماناً وتضرعاً وطاعةً ، وأكثر الناس معرفة وعلماً بالله سبحانه وتعالى أكثرهم له مسألة وطلباً .
هكذا يقف العارفون بربهم ، أذلاء خاشعين لم تنسهم دنياهم ذكر الله ، ولم تلههم تجارتهم عن المناجاة مع الله ، وهم يعلمون أن الإنسان قد يتعرض للخطأ في معاملاته ، وقد يقترف السيئة فيؤوب إلى ربه منيباً مذعناً معترفاً يطلب التوبة والمغفرة .
فليس أمام العبد الذي أوبقته الذنوب إلا التوبة والإنابة إلى الله والدعاء إليه لأنه لا مفرَّ من الله إلا إليه ، فلنجتهد في مرضاته ، ونعدُّ العدَّة لملاقاته ، عسى أن نحظى بلقائه بوجوه بيضاء مشرقة بالإيمان الصادق والعمل الصالح ، فحاشا لله أن يناجيه العبد ويمدُّ إليه يدَ الاستكانة والمذلة ويرده وهو الكريم الجواد ، فالله تعالى لا يرد السائلين ، وإن أخَّر ذلك إلى حين فلحكمة هو يراها .
فهو الذي أخذ على نفسه أن لا يخيب من دعاه ، وهو بعباده رؤوف رحيم ، يجيب دعوة الداعي إذا دعاه ، فَمَن غير الله ندعوه ونتوسل إليه ، وهو أرحم بنا من أبوينا ؟ وقد جربنا ظلم العباد للعباد