وكتبوا صحيفة بشأن هذا القرار، ومنعوا الناس من أن يبيعوا شيئاً إلى بني هاشم . فجمع أبو طالب بني هاشم وجعلهم في شِعْبٍ كان له في أطراف مكة ، وبقوا هناك ثلاث سنين في اشدّ ما يكون من سوء العيش . وأكثر ما يكون من الخوف والقلق ، حتى أن أبا طالب كان يبدل فراش النبي في كل ليلة مرات خوفاً على حياته الكريمة.
وشاء اللـه بأن تنقضي مدة هذا النفي فأمر بالأرضة " وهي دابة صغيرة " بأن تأكل الخطوط الملعونة التي رسمت على الصحيفة. فأكلتها، وأَلْهَم نبيَّه بشأن ذلك ، فأخبر النبيُّ أبا طالب (ع) - وهو بدوره - ذهب إلى الكفار وحدثهم بذلك . وقال إن ذلك علامة صدق ابن أخي في ادّعائه الرسالة ، وكذبكم في إنكاركم أمره .. فجعلوا الاطلاع على الصحيفة حكماً بينهم فإن كانت الصحيفة كما أخبر الرسول أخرجوهم من المنفى ، وإن لم تكن فإنهم ماكثون فيه.
وحينما اطَّلعوا عليها وجدوها كما أخبر الرسول. فخرج بنو هاشم من المنفى منتصرين . وتمَّ بذلك عهد كان من أشد العهود على النبيِّ وآله . وأصعبها جميعاً.
وإنّ الضراء التي مست الأسرة الهاشمية في منفاها بشِعْب أبي طالب كانت شديدة للغاية. ولذلك فإن خسارتها كانت بالغة وكبيرة أيضا، حيث نتج عن الحصار الإقتصادي والإجتماعي على بني هاشم موت خديجة زوجة النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ ، وموت أبي طالب عمه وكفيله.