بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة السلام على سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.
السلام عليكم حضرات المستمعين وأهلاً بكم في حلقة أخرى من برنامج (نهج الحياة)... أول آيتين نفسرهما في هذه الحلقة هما 83 و84 من سورة الأنبياء؛
وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ﴿٨٣﴾
فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ ۖ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَىٰ لِلْعَابِدِينَ ﴿٨٤﴾
جاء في آيات القرآن الكريم أن نبي الله أيوب إختبره ربه في اليسر والعسر، في الرخاء والشدة، في الغنى والفقر.. لقد من الله على أيوب بالمال والثراء وكان هذا العبد الصالح لله شاكراً على الدوام ولم يمسه من الغرور والتكبر أي شيء.. وجاء الإختبار الإلهي الثاني، حيث أحاطت المشاكل بهذا النبي وأصابه الفقر، ففقد أيوب عليه السلام، ماله وولده مع كل هذه المصائب كان لله شاكراً على الدوام ولم يقتصر إمتحان الله لعبده المؤمن أيوب على هذا الحد، بل أمد لأكثر منه، إذ أصابه المرض المزمن الشديد حتى فقد القدرة على الحركة.. وكلما إشتد البلاء على أيوب (ع) إزداد لله شكراً وطاعةً واشتبه الأمر على الناس فقالوا له: أي إثم ارتكبت كي تعاقب كل هذا العقاب؟
وهنا طلب أيوب (ع) من الله أن ينجه من كل هذه المصائب والشدائد، فاستجاب ربنا تبارك وتعالى دعاءه بعد أن خرج من كل الإمتحانات ناجحاً لقد شفاه الله من الأمراض والأسقام وأعاد له الثروة والمال وأحيى أولاده الذين ماتوا وزاده.
جدير أن نذكر أن قصة سيدنا أيوب (ع) وردت أكثر تفصيلاً في آيات من سورة (صاد) المباركة.
والآن إلى الدروس المستفادة من النص الشريف فهي:
- أن الأنبياء (ع) وكسائر عباد الله، هم في معرض الإختبار والإمتحان، بل إن إمتحاناتهم أشد وأصعب من الآخرين.
- اللازم هو رعاية الأدب في الدعاء والمناجاة وطلب الحاجات من الله، حتى وإن كان الإنسان في أشد الظروف وأقساها.
ويقول تعالى في الآيتين 85 و86 من سورة الأنبياء (ع):
وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ ۖ كُلٌّ مِّنَ الصَّابِرِينَ ﴿٨٥﴾
وَأَدْخَلْنَاهُمْ فِي رَحْمَتِنَا ۖ إِنَّهُم مِّنَ الصَّالِحِينَ ﴿٨٦﴾
بعد أن يعرض القرآن الكريم نموذجاً سامياً للصبر إزاء الشدائد وهو أيوب (ع) يأتي هذا النص ليتحدث عن أنبياء صابرين آخرين، هم إسماعيل وإدريس وذوالكفل، إن الصابرين الذين هم الأسوة في الثبات والإستقامة تشملهم الرحمة الإلهية الفياضة.
ولعل قصة إبراهيم وإسماعيل (ع) معروفة وكيف أن إسماعيل إستعد للذبح على يد أبيه إبراهيم طاعة لله لأنه كان من الصابرين.
والنبي إدريس، وكان جد النبي نوح عليهما السلام، وقد ورد ذكره في العديد من الآيات القرآنية التي أشارت إلى رفعته وعلو شأنه.
أما ذوالكفل وكما هو مذكور في التاريخ فقد كان من أنبياء بني إسرائيل قبل أن يبعث عيسى بن مريم فيهم رسولاً.
والذي يفيده إيانا هذا النص هو:
- إن الذين تحملوا المصاعب والشدائد على مدى التاريخ هم القدوة الحسنة للأجيال في كل زمان ومكان.
- إن اللطف والعناية الربانية هي على الدوام تشمل حال الصابرين المحتسبين.
ولنستمع الآن إلى تلاوة الآيتين 87 و88 من سورة الأنبياء (ع)؛
وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَىٰ فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَـٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ﴿٨٧﴾
فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ ۚ وَكَذَٰلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ ﴿٨٨﴾
يتحدث هذا النص حول ذوالنون وهو يونس بن متى (ع) كان نبياً من أنبياء الله تعالى، دعا الناس للحق، فلم يؤمن به إلا نفر قليل أول الأمر غضب ذوالنون ودعا على قومه وغادرهم وكان ابتلاه الله بالبلايا لأنه ترك مهمته الإلهية فترة من الزمن وجاء في سيرة هذا النبي (ع) أنه ركب الفلك مع قوم فهاجم الحوت السفينة فقرروا أن يتخلصوا من الحوت بإلقاء أحد الركاب إليه وأقرعوا فيما بينهم وجاءت القرعة باسم يونس (ع).. وهكذا ألقوا يونس في البحر وابتلعه الحوت وجاءت المعجزة الإلهية حينما لم يهضم جسم يونس (ع).
وفي ظلمات الحوت أحس يونس بقلة صبره في أداء رسالته فكان إن اعترف بذلك وأنجاه الله من بعد ذلك، ومن ذلك الوقت عرف يونس بذي النون أي صاحب الحوت.
والآن لنرى ما تعلمه إيانا قصة يونس (ع) نعم إن فيها الدروس الثلاثة التالية:
- إن تقصير العظماء ليس كتقصير غيرهم، إن له عقاب أشد، خروج يونس من قومه كان أمراً مستعجلاً فكان إن لحقه العقاب ثم من بعد ذلك جاءته الرحمة الإلهية والله أرحم الراحمين.
- الإعتراف بالخطأ فضيلة ولا ينبغي أن ننسب الظلم لله جل جلاله فهو الحاكم العادل لا يظلم أحداً.
- إن القرآن ليس كتاب تاريخ، لكن فيه تاريخ الماضين وفي حياتهم دروس وعبر، فما أجدرنا جميعاً بالتدبر في آيات القرآن الكريم.
جعلنا الله وإياكم من المستنيرين بنور القرآن والعمل بأحكامه إنه سميع الدعاء.
المستمعين الأفاضل وصلنا وإياكم إلى نهاية هذه الحلقة من برنامج نهج الحياة، إلى اللقاء والسلام خير ختام.