بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين نبينا محمد بن عبد الله وعلى آله الهداة إلى الله، السلام عليكم حضرات المستمعين الأكارم، كنا قد أنهينا تفسير الآيات العشر الأولى من سورة الإسراء المباركة وفي هذه الحلقة نقدم لكم تفسيراً موجزاً للآيات الحادية عشرة إلى الرابعة عشرة منها ونستمع الآن إلى تلاوة الآية الحادية عشرة:
وَيَدْعُ الْإِنسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ ۖ وَكَانَ الْإِنسَانُ عَجُولًا ﴿١١﴾
تتحدث هذه الآية عن بعض الصفات السلبية لدى الإنسان، مثل العجلة والبخل، على أن هذه الصفات السلبية من الممكن أن نراها فيمن لم يتلقوا من حياتهم التربية الصحيحة التي تؤهلهم لكسب فضائل الأخلاق والصفات الحسنة، وليس من أدنى شك في أن ظهور الصفات السلبية في شخصية الإنسان علامة على حبه الدنيا وتعلقه بها.
والذي يفيده هذا النص الشريف:
- إن الإنسان وبحسب فطرته طالب للخير، إلا أن غفلته وعجلته تجعلانه يجري وراء الشر متصوراً أنه خير.
- إن من آفات اتخاذ أي قرار العجلة، حيث أن هذه العجلة تجعل الإنسان يقع في ورطة ويؤول إلى الهلاك، ولطالما جاء التأكيد على الصبر والتأني في القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة وأقوال سائر المعصومين عليهم الصلاة والسلام، وحتى في الأمثال قيل في العجلة الندامة وفي التأني السلامة.
والآن نستمع إلى تلاوة الآية الثانية عشرة من سورة الإسراء المباركة:
وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ ۖ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِّتَبْتَغُوا فَضْلًا مِّن رَّبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ ۚ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا ﴿١٢﴾
يبين لنا هذا النص المبارك أن الله تبارك وتعالى خلق هذا العالم على أساس الحكمة والنظام والتدبير، وللإنسان أن يتعلم من هذا التنظيم في عمل الكون لتنظيم أعمال حياته، حيث يأتيه من بعد ذلك رزقه رغداً ويستفيد من نعم الله تبارك وتعالى عليه وما أكثرها؛ هذا وإن من الواضح أن من ينهج غير المنهج النظام، لا يجني إلا ما هو المر، فيعود الضرر عليه ويبوء بخسران مبين.
ونستفيد من هذا النص:
- إن دوران الأرض حول محورها وتعاقب الليل والنهار يتمان على أساس حكمة الله وتدبيره.
- إن فضل الله ورحمته هي التي تؤدي إلى نزول النعم الإلهية ولابد من السعي والمثابرة لنيل هذه النعم الوفيرة.
ويقول تعالى في الآيتين الثالثة عشرة والرابعة عشرة من سورة الإسراء المباركة:
وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ ۖ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا ﴿١٣﴾
اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَىٰ بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا ﴿١٤﴾
ويذكر هذا النص القرآني الشريف الإنسان بيوم القيامة ومشاهد ذلك اليوم العصيب، وعلى الإنسان أن يعلم أن الحياة الدنيا ليست آخر مطاف كي يكون همه حيازتها إذ من بعد الدنيا حياة البرزخ وهي الفاصلة بين الحياة الدنيا والحياة الآخرة، وفي الآخرة يحاسب الإنسان على ما فعله في دنياه.
نعم.. أعمال الإنسان من خير أو شر، وكما هو تعبير القرآن، طائر في عنقه لا يغادره إطلاقاً بل معه يسير حتى يوم الحساب، وفي يوم القيامة تفتح أمام كل إنسان صحيفة أعماله وينشر له كتاب أفعاله الذي لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها، نعم.. لكل إنسان في يوم القيامة ملف شفاف لا حاجة معه إلى قاض يفهمه إتهامه، إن كل إنسان هو قاضي نفسه، يرى ما فعل ويعلم عاقبة أمره.
وإلى الدروس المستفادة من هذا النص الشريف فهي:
- إن عمل كل إنسان ملازم له في الدنيا والبرزخ والآخرة، وإن سعادة الإنسان أو شقائه هي نتائج أعماله من خير أو شر.
- إن أفعال الإنسان وأقواله في الدنيا كلها مسجلة في صحيفة أعماله، وفي يوم الحساب تعرض على الإنسان أفعاله وأقواله؛ إقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيباً.
- إن محكمة العدل الإلهي في يوم القيامة هي المحكمة الوحيدة التي لا يتمكن الإنسان فيها من إنكار التهمة الموجهة إليه.
نعم.. إن الدنيا، كما قال مولانا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه أفضل الصلاة والسلام، في حلالها حساب وفي حرامها عقاب وفي الشبهات عتاب.
نسأل الله تبارك وتعالى أن يجعلنا من الذين يفدون عليه يوم الحساب بقلب سليم، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم،والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.