بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم لك الحمد حمد الشاكرين، وصل وسلم على حبيبك وخيرة خلقك النبيّ المصطفى محمد وعلى آله الطاهرين.
إخوة الإيمان في كلّ مكان السلام عليكم وأهلاً بكم في رحاب القرآن الكريم وحلقة جديدة من برنامج نهج الحياة لنتابع معاً تفسير سورة الأنفال المباركة.
فبادى ذي بدء ننصت خاشعين لهذه التلاوة العطرة للآية الثلاثين من السورة:
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
*وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك .... الماكرين.
بعد مضي ثلاثة عشر عاماً على البعثة النبوية المباركة ونغاظم أمر الرسول الاكرم صلى الله عليه وآله في مكة، إجتمع نفر من قريش في دار الندوة وتآمروا في أمر محمد صلى الله عليه وآله فتمخض الإجتماع عن ثلاث خطط، هي:
حبس النبيّ، أو نفيه من مكة وإخراجه منها الى طرف من أطراف الأرض، أو قتله صلى الله عليه وآله.
فاتقق الجمع على الرأي الأخير ؤاعدوا الرجال والسلاح، وجاء جبرائيل عليه السلام فأخبر رسول الله صلى الله عليه وآله، فخرج إلى الغار وأمر علي بن أبي طالب فبات على فراشه. فلما أصبحوا وفتشوا عن الفراش وجدوا علياً وقدرد مكرهم.. كما ورد في الآية:
"وإذ يمكربك الذين كفروا" أي: واذكره إذ يحتال الكفار في إبطال أمرك ويدبرون في هلاكك "ليشبتوك" أي: ليقيدوك ويثبتوك في الوثاق، وقيل في الحبس ويسجنوك في بيت. وقيل، معناه: ليثخنوك بالجراحة والضرب "أو يقتلوك أو يخرجوك" من مكة إلى طرف من أطراف الأرض.
وقيل: أو يخرجوك على بعير ويطردونه حتى يذهب في وجهه "ويمكرون ويمكر الله" أي: ويدبرون في أمرك ويدبر الله في أمرهم. وقيل: ويحتالون في أمرك من حيث لا تشعر فأحل الله وبهم ما أراد من عذابه من حيث لا يشعرون. وقيل: يمكرون والله يجازيهم على مكرهم "والله خير الماكرين" لأنه لا يمكر إلا ما هو حق وصواب وهو إنزال المكروه بمن يستحقه. والعباد قد يمكرون مسكراً هو ظلم وباطل ومكرهم الذي هو عدل لا يبلغ في المنفعة للمؤمنين مبلغ مكر الله، قال: خير الماكرين. وقيل معناه: خير المجازين على المكر.
الآية إتصلت بقوله: واذكروا إذ أنتم قليل فتقديره واذكروا تلك الحال واذكروا ما مكر الكفار بمكة. وقيل: إنها تتصل بما قبلها من قوله: إن تتقوا الله يجعل لكم فرقاناً. أي: نجاة كما جعل للنبي صل الله عليه وآله وأصحابه النجاة من مكر مشركي قريش فاذكروا ذلك.
تعلمنا من الآية:
- منطق المخالفين- الحبس، الإغتيال والنفى ومنطق الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام ونهجهم في الحياة الدنيا – التعليم والتزكية والتوبية.
- الله- هو ناصر اتباع الحق ومحارب لمن يتآمر ضدهم
والآن مع الآية الكريمة الحادية والثلاثين من سورة الانفال المباركة:
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
وإذا تتلى عليهم آياتنا قالوا سمعنا............ الاوّلين.
تتحدث الآية عن اغتيال شخصية الرسول الاكرم وتحقير أقواله صلى الله عليه وآله وأقوال الله جل وعلا- حتى أخبر سبحانه عن عناد الكفار ومباهتتهم للحق قائلاً "وإذا تتلى عليهم آياتنا" من القرآن "قالوا سمعنا" أي: أدركنا بآذاننا. فان السماع إدراك الصوت بحاسة الأذن "لو نشاء لقلنا مثل هذا" إنما قالوا ذلك مع ظهور عجزهم عن الإتيان بسورة مثله بعد التحدي عداوة وعناداً وقد تحمل الإنسان شدة العداوة على ان يقول ما لا يعلم. وقيل: إنما قالوا ذلك لعدم انقطاع طمعهم من القدرة عليه في المستقبل، إذ القرآن مركب من كلمات جارية على ألسنتهم فطعموا أن يتأتى لهم في ذلك المستقبل بخلاف صيرورة العصا، حية في أنه قد إنقطع طمعهم عن إلاتيان بمثله إذ جنس ذلك لم يكن في مقدورهم " إن هذا إلا أساطير الأولين" معناه: ما هذا إلا أحاديث الأولين تتلوها علينا
أفادتنا الآية:
- زعم مخالفو الإسلام –ان القرآن- ليس كتاباً مهماً وأنهم قادرون على الإتيان بمثله لكنهم لم يقدروا أبداً.
- تهمة التحجر والتخلف –من أقدم ما أتهم بها المؤمنون وكتب السماء.
نستمع الآن للآية الثانية والثلاثين من سورة الأنفال المباركة:
اعوذ بالله من الشيطان الرجيم
وإذ قالوا اللهمّ إن كان هذا هو الحق من عندك.....
قد يرمي المخالفون بمقولتهم هذه- إلى اغواء العوام من الناس وسذجهم ليقولوا-انهم على حق وإلا كيف يلتمسون العذاب لأنفسهم. "وإذ قالوا" أي: واذكر يا محمد إذ قالوا، أي: قال هؤلاء الكفار "اللهم إن كان هذا" الذي جاء به محمد "هو الحق من عندك" دون ما نحن عليه "فأمطر علينا حجادة من السماء" كما أمطرتها على قوم لوط "أو ائتنا بعذاب أليم" أي: شديد مؤلم.
أفادتنا الآية:
- قد يدفع العناد واللجاج وحتى الحسد – الإنسان إلى حد القبول بابادة الذات وهلاكها.
- من مخالفي الرسول واعدائه صلى الله عليه وآله- من كانوا من أهل الكتاب ويؤمنون بالله سبحانه تعالى.
والآن نصغي واياكم مستمعينا الأفاضل للآية الثالثة والثلاثين من سورة الأنفال المباركة.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم................. وهم يستغفرون.
تشير الآية إلى نعمة وجود الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله قائلة "وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم" ذكر سبحانه سبب إمهالهم.
ومعناه: وما كان الله يعذب أهل مكة بعذاب الإستئصال وأنت مقيم بين أظهرهم لفضلك وحرمتك يا محمد فإن الله تعالى بعثك رحمة للعالمين فلا يعذبهم إلا بعد أن يفعلوا ما يستحقون به سلب النعمة بإخراجك عنهم. قيل إن الله سبحانه لم يعذب قومه حتى أخرجوه منها "وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون" معناه: وما كان الله يعذبهم وفيهم بقية من المؤمنين بعد خروجك من مكة.
وذلك أن النبي صلى الله عليه وآله لما خرج من مكة بقيت فيها بقية من المؤمنين لم يهاجروا بعذر، وكانوا على عزم الهجرة، فرفع الله العذاب عن مشركي مكة لحرمة إستغفارهم. فلما خرجوا أذن الله في فتح مكة.
وقيل: وما يعذبهم الله بعذاب الإستئصال في الدنيا وهم يقولون غفرانك ربنا، وإنما يعذبهم الله على شركهم في الآخرة.
تفيدنا الآية:
- وجود أولياء الله –حرز لدفع البلاء والعذاب- يجب تكريمهم واغتنام وجودهم.
- التوبة والإستغفار –يجنبان المرء عذاب الدنيا والآخرة ما يلزم الأخذ بهما وعدم تجاهلهما.
مستمعينا الكرام انتهت هذه الحلقة من برنامج نهج الحياة شكراً لحسن المتابعة. نستودعكم الله والسلام عليكم.