بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم لك الحمد حمد الشاكرين، وصل وسلم على حبيبك وخيرة خلقك النبيّ المصطفى محمد وعلى آله الطاهرين.
إخوة الإيمان في كلّ مكان السلام عليكم وأهلاً بكم في رحاب القرآن الكريم وحلقة جديدة من برنامج نهج الحياة لنتابع وإياكم تفسير سورة الأنفال المباركة.
فعليه ننصت أولاً لهذه التلاوة العطرة للآية السادسة والعشرين من السورة:
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
واذكروا إذ أنتم قليلٌ مستضعفون في الأرض.... تشكرون.
كان المسلمون قبل الهجرة معرضين لصنوف أذى المشركين فمنهم من هاجر إلى الحبشة، والطائف ويمن، ومنهم من هاجر إلى يثرب في وقت كانوا يعيشون الفقر والحرمان ولم يكن لهم كذلك منزل أو مكان يأوون إليه... الآية تشير إلى وضع المسلمين الصعب أول الإسلام- مذكرة إياهم بأن الله مكنهم ونصرهم بنعمة الإسلام، فقال:
"واذكروا" معشر المهاجرين "إذ أنتم قليلٌ" في العدد وكانوا كذلك قبل الهجرة في ابتداء الإسلام "مستضعفون" يطلب ضعفكم بتوهين أمركم "في الارض" أي: في مكة "تخافون أن يتحظفكم الناس" أي: يستلبكم المشركون من العرب ان خرجتم منها. وقيل إنه يعني بالناس كفار قريش "فآواكم" أي" جعل لكم مأوى ترجعون إليه يعني المدينة دار الهجرة "وأيدكم بنصره" أي: قواكم "ورزقكم من الطيبات" يعني الغنائم أحلها لكم ولم يحلها لأحد قبلكم. وقيل هي عامة في جميع ما أعطاهم من الأطعمة اللذيذة "لعلكم تشكرون" أي: لكي تشكروا.
والمعنى: قابلوا حالكم التي أنتم عليها الآن بتلك الحال المتقدمة ليتبين لكم موضع النعمة فتشكروا عليها.
تفيد الآية:
- في سبيل الحق- علينا ان لا تخشى قلة العدد والإمكانات، فالله هو المعين وهو الناصر.
- علينا ان لا نفسى محن الماضي ومشكلاته، لعلنا نشكر لا حقاً على ما أنعم الله علينا.
والآن نشنف أسماعنا بهذه التلاوة العطرة للآية السابعة والعشرين من سورة الأنفال المباركة:
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول .................. تعلمون.
عقب الآية المتقدمة التي تشير لفترة حكم الإسلام وسيادته في المدينة المنورة، تقول هذه الآية للمؤمنين بأن لا يخونوا الله ورسوله والامة الاسلامية من اجل المصالح المادية والدنيوية عامدين عالمين.
ثم أمرهم سبحانه بترك الخيانة قائلاً: "يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول" أي: لا تخونوا الله بترك فرائضه والرسول بترك سنته وشرائعه. وقيل من ترك شيئاً من الدين وضيعه فقد خان الله ورسوله "ولا تخونوا أماناتكم" يعني الأعمال التي أئتمن الله عليها العباد وهي الفرائض التي يقول لا تنقصوها "وأنتم تعلمون" ما في الخيانة من الذم والعقاب. وقيل وأنتم تعلمون أنها أمانة من غير شبهة.
تعلمنا الآية:
- ما يلزم الإيمان- الامانة والايمان لا ينسجم مع الخيانة.
- الخيانة- أمر يعي قبحه الجميع- لذا يعاقب عليها من يرتكبها عالماً عقاباً شديداً.
ونبقى مستمعينا الكرام الآن مع الآية الثامنة والعشرين من سورة الأنفال المباركة:
وأعلموا أنها أموالكم وأولادكم فتنة ... عظيم.
بعدما تقدم بخصوص الخيانة- تشير هذه الآية لأهم عاملي الخيانة، إذ يقول سبحانه "واعلموا" أي" تحققوا وأيقنوا "إنما أموالكم وأولادكم فتنة" أي: بلية عليكم وأبتلاكم سبحانه بها "وأنّ الله عنده أجر عظيم" لمن أطاعه وجاهد ولم يخن الله ورسوله وذلك خير من المال والبنين.
بهذه الآية الكريمة بين سبحانه انه يختبر الخلق بالأموال والأولاد ليتبين الراضي بقسمه ممن لا يرضى به وإن كان سبحانه أدرى بهم من أنفسهم ليظهر الأفعال التي بها يستحق الثواب والعقاب.
تفهمنا الآية:
- المبالغة في حب المال والبنين- تفضي الى الخيانة- وإلا فإن الحب الطبيعي للأبناء- أمر غريزي وهبة من الله
- المال والبنون –رغم كل مغرياتهما- لا شيء بالنسبة للألطاف الإلهية- ما يوجب التمسك بحبل الله وبكل ما يقربنا إليه جل وعلا درءً الهذه الفتنة المتمثلة بالأموال والأولاد.
والآن نبقى مع الآية التاسعة والعشرين من سورة الأنفال المباركة:
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
يا ايها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقاناً .... العظيم.
التوفيق في الامتحان الالهي- كما ترى الآية- يكمن في الزهد والتقوى. قوله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا" أي: يا أيها المؤمنون "إن تتقوا الله" أي: عقاب الله باتقاء معاصيه واداء فرائضه "يجعل لكم فرقاناً" أي: هداية ونوراً في قلوبكم تفرقون بهما بين الحق والباطل. وقيل: يجعل لكم مخرجاً في الدنيا والآخرة. وقيل: يجعل لكم نجاة. وقيل: يجعل لكم فتحاً ونصراً. وقيل: يجعل لكم عزاً في الدنيا وثواباً في الآخرة وعقوبة وخذلاناً لأعدائكم وذلاً وعقاباً كل ذلك يفرق بينكم وبينهم في الدنيا والآخرة "ويكفر عنكم سيئاتكم" التي عملتموها ويغفر لكم ذنوبكم "والله ذو الفضل العظيم" على خلقه بما أنعم عليهم من أنواع النعم. فإذا إبتدأهم بالفضل العظيم من غير إستحقاق كرماً منه وجوداً فإنه لا يمنعهم ما استحقوه بطاعاتهم له. وقيل: إذا إبتدأ بنعيم الدنيا من غير استحقاق فعليه إتمام ذلك بنعيم الآخرة باستحقاق وغير استحقاق قيل إتصلت الآية بأول السورة من الأمر بالجهاد. وتقديره إن تتقوا الله ولم تخافوه فيما أمركم به من الجهاد يجعل لكم فرقاناً. وقيل: إنه لما أمر بالطاعة وترك الخيانة بين بعده ما لمن إمتثل أمره في الدنيا والآخرة.
علمتنا الآية المباركة:
- لعمل الإنسان –أثره في فكره وبصيرته كما للفكر أثره في طبيعة عمل الإنسان ويمنحه التقوى في عمله- والبصيرة في فكره.
اعزاءنا المستمعين إنتهت هذه الحلقة من برنامج نهج الحياة. نستودعكم الله والسلام عليكم.