بسم الله والحمد لله الذي هدانا لإقتفاء آثار أعلام رحمته الكبرى للعالمين حبيبنا المصطفى محمد الأمين وآله الأطيبين الأطهرين صلوات الله وبركاته وتحياته عليهم أجمعين.
- سلام من الله عليكم أيها الإخوة والأخوات ورحمة منه وبركات.
- أزكى التحيات تحية الإيمان والأمان والولاء نحييكم بها في مطلع هذا اللقاء من برنامج "نبي الرحمة".
- ورد في الأحاديث النبوية ما مؤداه أن من أكرم مكارم الأخلاق العفو عن المسيء عند المقدرة.
- فهو خلق يعبر عن التحرر من أسر الأحقاد وروح الإنتقام، ويعبر عن عظيم رسوخ الرحمة في القلب وبالتالي جميل تخلق صاحبه بأخلاق الله الذي سبقت رحمته غضبه.
- وهذا ما تجلى بأكمل صوره في أشرف الكائنات محمد – صلى الله عليه وآله – وتشهد لنا مواقفه النبيلة في جميع مقاطع سيرته المعطاء لا سيما بعد فتح مكة وإنكسار شوكة المشركين.
- وهذا ما نحدثكم عنه في لقاء اليوم مستمعينا الأطائب، فتابعونا مشكورين.
- مستمعينا الأفاضل، صرّح الصادق الأمين – صلى الله عليه وآله – بأنه لم يؤذ نبي مثلما أوذي هو من قومه المشركين رغم أنه جاءهم بما فيه خير الدنيا والآخرة وعزهما وسؤددهما.
- ورغم ذلك كانت سجيته – صلى الله عليه وآله – في التعامل معهم العفو والإحسان إليهم عندما نصره الله عليهم، قال آية الله الفقيه الشيخ حسن الجواهري في كتابه (بحوث في الفقه المعاصر):
- كان صلح الحديبية في السنة السادسة للهجرة ، ومن بنوده المهادنة لعشر سنوات ، ولكن قريشاً أغرَتْ اتباعها من قبيلة بكر حيث كانت في حلف مع قريش على قتل جماعة من خزاعة غدراً « وخزاعة كانت مع النبي ( صلى الله عليه وآله ) في حلف »
- عندئذ زحف النبي ( صلى الله عليه وآله ) على مكة في العاشر من شهر رمضان من السنة الثامنة للهجرة نتيجة نقض بنود الصلح والمهادنة ، ودخل الرسول ( صلى الله عليه وآله ) مكة في مطلع الأسبوع الأخير من شهر رمضان . وفي هذا الفتح المبين كانت أعمال الرسول ( صلى الله عليه وآله ) في مكّة تتدفّق رفقاً وانسانية وحناناً وهو في موقف النصر .
- فبينما كان سعد بن عبادة وهو أحد قادة الجيش الاسلامي يقول :
اليوم يوم الملحمة
اليوم تسبى الحُرَمة
وهو يعني : إن هذا اليوم سوف نترك فيه أجسادكم أشلاء متقطّعة وتسبى حرمكم ونساؤكم ، نرى أن الرسول ( صلى الله عليه وآله ) نادى علياً فقال له : خذ الراية من سعد ونادِ عكس ندائه ، فجاء علي وأخذ الراية وقال :
اليوم يوم المرحَمَة
اليوم تُحمى الحُرَمة
- وتتجلى المرحمة المحمدية وخلق الإلهي بالعفو عن المسيء عند المقدرة في مواقف نبي الرحمة يوم الفتح المبين، فكان العفو واللطف أبرز معالمها.
- أعلن الرسول ( صلى الله عليه وآله ) عفوه العام عن قريش « التي لم تدّخر وسعاً في إلحاق الأذى بالمسلمين حتّى شهادة جمع منهم ، بل والتآمر على نفس الرسول ( صلى الله عليه وآله ) بقتله على فراشه » وأمر المسلمين أن يدخلوا مكة بروح الموادعة والرحمة والمسالمة بلا قتال .
- وقد دخل هو ( صلى الله عليه وآله ) بروح متواضعة راكباً على ناقته القصواء قد أحنى رأسه على رحله تواضعاً حتى كادت أن تمس لحيته الرحل وهو يقول : « لا عيش إلاّ عيش الآخرة » .
- ثم أنه ( صلى الله عليه وآله ) أصدر حكماً باطلاق سراح أهل مكة جميعاً رغم ما صدر منهم أزاءه ثم قال : من دخل دار أبي سفيان فهو آمن ، ومن دخل المسجد فهو آمن ، ومن دخل داره فهو آمن . ثم خطب فيهم قائلا :
- « لا إله إلاّ الله ، وحده لا شريك له ، صدق وعده ، ونصر عبده ، وهزم الأحزاب وحده . . . يا معشر قريش إن الله قد أذهب عنكم نخوة الجاهلية وتعظيمها بالآباء ، الناس من آدم وآدم من تراب ثم تلا قوله تعالى : " يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَر وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ ثم قال : يا معشر قريش ما ترون أني فاعل بكم ؟ قالوا : خيراً ، أخ كريم وابن أخ كريم فقال : اذهبوا فأنتم الطلقاء .
- وهذه السيرة المحمدية النبيلة تمثل لأجيال المسلمين منار هداية لمعرفة خلفاء النبي الصادقين وتميزهم عن الأدعياء الذين يطعنون منهاج النبوة بشعار الحكم على أساسه، يقول أحد الباحثين في السيرة النبوية:
- سيرة رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في فتح مكة ومعاملته مع رؤساء الكفّار والمشركين بعد ما غلب عليهم من أهم الوقائع التي ترشدنا إِلى ما ينبغي أن يكون عليه إِمام المسلمين و زعيمهم من سعة الصدر وكثرة الإغماض والعفو في قبال الأعداء بعد أن أظفره اللّه عليهم.
- فقد كان أبو سفيان وأهله من ألدّ الأعداء لرسول اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ومن أعظم من أوقد نيران الحرب على المسلمين ، فلمّا ظفر عليه رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في فتح مكة عرض عليه الإسلام ثمّ جعل داره مأمناً فقال : " من دخل دار أبي سفيان فهو آمن . . "
- وزوجته هند مع ما كانت تؤذي الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في مكّة وما صنعت في أُحد بأجساد القتلى وجسد حمزة جاءت إِليه متخفية فأسلمت وأهدت إِلى رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) جديين واعتذرت من قلة ولادة غنمها فدعا لها رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، بالبركة في غنمها فكثرت .
- كما أن غلام أبي سفيان وهند، وحشي بن حرب ، قاتل حمزة هرب إِلى الطائف ثمّ قدم في وفد أهله على رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وأسلم ، فسأله عن كيفية قتل حمزة فأخبره، فبكى ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وقال له : غيّب وجهك عنّي؛ ولم ينتقم منه على قتله حمزة سيد شهداء الصحابة رغم شدة حزن رسول الله لمصرعه المفجع، فأي رحمة من رحمته وأي عفو أعظم من عفوه – صلى الله عليه وآله -.
- وبهذا نصل مستمعينا الأطائب إلى ختام حلقة أخرى من برنامج (نبي الرحمة) إستمعتم لها مشكورين من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في إيران.
- لكم منا خالص الدعوات، دمتم في أمان الله سالمين والحمد لله رب العالمين.