أولاً: كيف؟
لم يكن استهداف شخصيات رسمية تتحرك بصورة علنية عملية عسكرية أو أمنية معقدة، فقد كان أبو مهدي المهندس يحمل منصب رسمي في الدولة العراقية، كما أن اللواء قاسم سليماني هو زائر رسمي للعراق كان باتجاهه لمغادرتها من خلال مطار بغداد، ولم يحتاج الأمر لأكثر من قرار بتنفيذ هذه الجريمة، أفاد الجيش الأمريكي لاحقًا أنه صدر من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
واحدة من المروحيات الأمريكية التي جابت سماء بغداد طيلة اليوم الماضي أطلقت صواريخها على الموكب لتقتل وتجرح من فيه، معلنةً بشكلٍ أو بآخر الحرب من طرفها.
ثانيا: لماذا؟
من البديهي أن يكون اللواء قاسم سليماني كواحد من أولى أولويات دوائر الاستهداف الأمريكي والصهيوني، فالرجل هو عنوان أساسي لدعم المقاومة في هذه المنطقة، وواحد من رموز المواجهة مع الهيمنة الأمريكية، فيما يمثل أبو مهدي المهندس والحشد الشعبي قوة عسكرية يزعج وجودها الولايات المتحدة والكيان الصهيوني وبدأت في الدخول في دائرة استهدافه مؤخرًا. لكن السؤال الأبرز قد يكون عن توقيت هذا الاغتيال وهو ما يستدعي ابصار المقدمات التالية:
رفعت الولايات المتحدة وتيرة مساعيها الرامية لاستعادة هيمنتها الكاملة على العراق، وهو ما قاد خلال الشهور الأخيرة لسلسة من المواجهات المحسوبة، لعل أبرزها تلك الصراعات التي تدور في ظل الهبة الشعبية، والمساعي الأمريكية لاستخدامها كأداة ضغط ضد الحضور الايراني في المشهد العراقي.
كثفت الولايات المتحدة والكيان الصهيوني درجة استهدافها للحشد الشعبي العراقي، في الشهور الأخيرة، في الوقت الذي يظهر فيه الحشد وبعض قواه المركزية استعدادية متزايدة للإسهام في المواجهة ضد الكيان الصهيوني.
بعد محاصرة السفارة الأمريكية واقتحامها جزئيًا، والذي جاء ردًا على غارة أمريكية استهدفت مواقع للحشد الشعبي العراقي وتحديدًا كتائب حزب الله العراق، وبمتابعة التطورات التي أدت لانسحاب المتظاهرين من محيط السفارة الأمريكية يمكن إدراك طبيعة المواجهة الحالية، فلم ينسحب المتظاهرين من محيط السفارة الامريكية إلا بعد تلقي تأكيدات سياسية باستعداد البرلمان العراقي والكتل السياسية لإنهاء كافة أشكال التواجد الأمريكي في العراق، فقد كان خيار الحشد الشعبي ردًا على الاستهداف الأمريكي والصهيوني المتواصل له هو العمل على انهاء الوجود الأمريكي في العراق.
هناك تفسيرات تربط صدور قرار الاغتيال والمواجهة برغبة دونالد ترامب بالتغطية على محاولة عزله من قبل الكونغرس، وتأثير ذلك على دعايته الانتخابية للدورة الرئاسية الثانية، وهو أمر قد لا يتفق مع طبيعة الدور الذي تلعبه المؤسسات الدفاعية والأمنية الكبرى داخل الولايات المتحدة في اتخاذ قرار من هذا النوع وتعطيله أو تنفيذه.
ليس بوسع الولايات المتحدة تحمل الخروج من العراق، خصوصًا اذا حدث هذا وهي مرغمة ودون استعداد كافي، بما سيتركه ذلك من تداعيات وآثار على حلفائها ونفوذها في كامل المنطقة، لاعتبار مثل هذا - أي حماية وجودها ونفوذها في العراق- تشعل الولايات المتحدة مواجهة تدرك أبعادها جيدًا، ويبدو أنها استعدت لها كما خصومها.
إلى أين؟
في مثل هذه المواقف المفصلية قد لا يكون التحليل خير ما يفعله أي شخص، فبين الأمنيات بزوال هيمنة المستعمر ووجوده في عالمنا، والواقع الصعب لتدافع عوامل الهيمنة وعوامل الصمود والمقاومة، هناك مسافة قد لا يغطيها التحليل بقدر ما ينبغي فيها حضور الموقف والانحياز والارادة.
لابد من فهم ما الذي يمثله اغتيال سليماني والمهندس بالنسبة لإيران، فما مثله الأول هو التجسيد المباشر لسياسة ايران في الاقليم، ولعقيدتها العسكرية في مواجهة الولايات المتحدة، وما يمثله اغتياله هو محاولة لقمع هذا الوجود وتأديب الدور الايراني وحصره داخل حدودها، بما يشمله ذلك من ردع حلفاء ايران في سوريا والعراق وفلسطين ولبنان واليمن، وهو أمر لن ينتهي اذا تم الانحناء أمامه إلا بسقوط طهران وقبلها كامل المنطقة تحت الهيمنة الصهيونية والأمريكية الكاملة، هذا التوصيف يفتح على مجموعة من السيناريوهات للمواجهة القادمة:
الحرب الشاملة:
أن تبادر ايران لرد كبير قد يستهدف القواعد الأمريكية أو القطع البحرية الأمريكية بثقل ناري غير مسبوق، وهو ما يعني فعليًا بداية حرب بين الولايات المتحدة وايران قد تشمل الاقليم بأكمله وقد تتخذ أبعاد عالمية، وهو أمر قد يميل الطرفين لتجنبه.
الرد الايراني طويل الأمد:
أن تقوم ايران برد محدد على عملية الاغتيال بشكلٍ عاجل، يكفل حفظ توازنات حضورها وقوة ردعها، دون أن يستدعي أمريكا للدخول في حرب مفتوحة معها، على أن تتابع عملها باتجاه اخراج الولايات المتحدة الأمريكية من العراق.
حصر المواجهة في الساحة العراقية: أن تقوم ايران بايكال الرد لقوات الحشد الشعبي العراقي، وغيرها من القوى العسكرية العراقية الحليفة، باعتبار أن الحدث تم على الأرض العراقية واستهداف مسؤول في الحشد الشعبي وليس فقط المسؤول الايراني. وهو ما قد يمنح ايران وقوات الحشد فرصة لتنفيذ ردود أقسى دون الدخول في مواجهة ايرانية أمريكية شاملة.
موقع بوابة الهدف الإخبارية