السلام عليكم مستمعينا الأفاضل، فتح مولانا أمير المؤمنين سلام الله عليه للأباء باب التقرب الى الله عزوجل بتقديم خلاصة تجاربهم في طريق الوصول الى الله عزوجل الى أولادهم وذلك بوصيته الشهيرة الى ولده الإمام المجتبي سلام الله عليه. وعادة ما نتلمس في وصايا المتأسين بأمير المؤمنين عليه السلام في تدوين وصايا لأبنائهم، قوة روح النصيحة المشفقة الطبيعية في الأباء الصالحين، ولذلك فهي شديدة التأثير في القلوب. ومن نماذج هذه الوصايا المؤثرة، الوصية التي كتبها لولده الفقيه الفاضل والعالم الواعظ عماد الدين ابو جعفر محمد بن علي بن حمزة الطوسي صاحب المؤلفات القيمة، ومنها كتاب (ثاقب المناقب) في كرامات أئمة العترة المحمدية صلوات الله عليهم أجمعين.وهذا الفقيه هو من أعلام علماء الإمامية في القرن الهجري السادس ويعد كتابه الفقهي (الوسيلة) من المراجع الفقهية المهمة. وقد أورد وصيته لولده في كتابه هذا الذي ألفه أيضاً أداءً لحق ولده.
قال هذا الفقيه التقي في وصيته: "أوصيك يا بني بتقوى الله، والاعتصام بحبله، والتمسك بطاعته، والتحرج عن معصيته، والإخلاص في العمل بما يرضيه، والتوفر على التفكر فيما يزيد في معرفتك ويقينك، ويعينك على أمور معادك ودينك، ويمنعك عن التورط في الشبهات، ويردعك عن التميل إلى الشهوات، ويزعك [أي يردعك] عن ركوب المحارم، ويكبحك عن التسرع الى المآثم. وإياك وغفلة الاغترار، وفترة الإصرار، وعليك بالاستعانة بالله سبحانه على أمور دينك ودنياك، فإنك إن توكلت عليه كفاك. وعليك بتلاوة كتابه في آناء ليلك ونهارك، وحالتي استقرارك وأسفارك، فإن ذلك شفاء لما في الصدور، ونور يوم النشور، ونجاة يوم تزل فيه الأقدام، وتقضى فيه الأحكام وعليك بالعمل بما فيه، والتنبه على ما في مطاويه".
مستمعينا الأكارم، والتمسك بالقرآن الكريم وهو الثقل الأول محال بدون التمسك بالسنة النبوية المبينة لحقائق كتاب الله، والذين يبينون للناس سنة رسول الله صلى الله عليه وآله هم عترته الطاهرة وهم الثقل الثاني لا يفارقه كتاب الله، وهذا ما ينبه له الفقيه عماد الدين الطوسي في تتمة وصيته لولده قائلاً: "وعليك بسنة نبيه محمد صلى الله عليه وآله فإنها جلاء القلوب، واستراحة الكروب، وعليك بما سن لك الأئمة الهداة. فإنهم إلى الجنة الدعاة، ومن النار الحماة. وعليك بسيرة الصالحين. والاقتناص من شواردهم. والاقتباس من فوائدهم. والاشتغال بنفسك عن غيرك. والتوفر على الإكثار من خيرك. وليكن ما تعرف من نفسك شاغلا لك عمن سواك".
ونجد في وصية هذا الفقيه الورع لولده إشارة بليغة لعلاقة التفقه في الدين المطلوب شرعاً باخلاص النية وتطهير القلب للفوز بالعلم اللدني، قال رضوان الله عليه: "وعليك بالفقه، وعليك بالفقه، وعليك بالفقه. فإنه شرف لك في الدنيا، وذخر لك في الآخرة. ولن يتيسر لك ذلك إلا بحسن السيرة، ونقاء الجيب، وطهارة الأخلاق، والتوقي من العيب، وإقامة دعائم الإسلام. والإذعان لقواعد الأحكامم والتعظيم لأمر الله، فإن الله سبحانه لم يخلق الخلق عبثا، ولم يتركهم مهملا، بل خلقهم ليبلوهم أيهم أحسن عملا، وعلم ضمائرهم وخبر سرائرهم، وأحصى أعمالهم، وحفظ أحوالهم. واحتج عليهم بإرسال الرسل، مبشرا ومنذرا وبإنزال الكتب آمرا ومخبرا وداعيا، وزاجرا ولله الحجة البالغة، والنعمة السابغة، وله الحمد على نعمه. والشكر على فيض كرمه. حمدا وافيا، وشكرا كافيا".
مستمعينا الأكارم، وفي نهاية وصيته يذكر هذا الفقيه لولده علة تأليفه لكتاب الوسيلة قائلاً: "ثم إني رأيت أن أجمع لك كتابا في الفقه لتحفظه على ترتيب يسهل على المتيقظ الشروع في الحفظ وقد سميته بـ (الوسيلة إلى نيل الفضيلة) مستمدا من الله تعالى التوفيق على الإتمام، والتيسير لدرك المرام. وأن يجعل ذلك خالصا لرضاه، فإنه لا يضيع من استكفاه، ولا يخيب من رجاه. وهو أكرم مسؤول، وأفضل مأمول".
كانت هذه مستمعينا الأفاضل مقاطع من وصية الفقيه البارع والعارف الإمامي التقي عماد الدين أبي جعفر محمد بن علي الطوسي من أعلام القرن الهجري السادس. وقد قرأناها لكم في لقاء اليوم من برنامج (من فيض أهل المعرفة)، إستمعتم له من إذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران. تقبل الله منكم حسن الإصغاء والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.