السلام عليكم إخوة الإيمان ورحمة الله، تعد زيارة المشاهد المشرفة من أهم الوسائل الشرعية للتقرب الى الله جل جلاله كما أكدت الأحاديث الشريفة. ولكي تحقق هذه الوسيلة ثمارها المباركة ينبغي معرفة آدبها والإلتزام بها، وهذا هو ما تهدف له الإضاءة المعرفية التي إخترناها لكم من كتاب جامع السعادات للفقيه العارف والعالم التقي الزاهد الشيخ محمد مهدي النراقي من أعلام العلماء الربانيين في القرن الهجري الثاني عشر.
تناول المولى النراقي التنبيه لآداب الزيارة من خلال عرض نموذج تطبيقي هو زيارة النبي الأكرم صلى الله عليه وآله فقال رضوان الله عليه: إذا قربت من المدينة المنورة، ووقع بصرك على حيطانها، تذكر أنها البلدة التي اختارها الله لنبيه صلى الله عليه واله وسلم وجعل إليها هجرته، وأنها البلدة التي فيها شرع فرائض ربه وسننه، وجاهد عدوه، وأظهر بها دينه، ولم يزل قاطنا بها إلى أن توفاه الله، وجعل تربته فيها. ثم مثّل في نفسك أقدام رسول الله صلى الله عليه واله وسلم عند تردداتك فيها، وتذكر أنه ما من موضع قدم تطئه إلا وهو موضع قدمه العزيز، فلا تضع قدمك عليه إلا على سكينة ووجل، وكن متذكرا لمشيه وتخطيه في سككها، وتصور سكينته ووقاره، وخشوعه وتواضعه لعظمة ربه، وما استودع الله في قلبه من عظيم معرفته ورفعة ذكره، حتى قرنه بذكر نفسه، وأنزل عليه كلامه العزيز، وأهبط عليه الروح الأمين وسائر ملائكته المقربين، وأحبط عمل من هتك حرمته، ولو برفع صوته فوق صوته. ثم تذكر ما منّ الله به على الذين أدركوا صحبته، وسعدوا بمشاهدته واستماع كلامه، وأعظم تأسفك على ما فاتك من صحبته، وتضرع إلى الله ألا تفوتك صحبته في الآخرة، ولتعظم رجاؤك في ذلك، بعد أن رزقك الله الإيمان، وأشخصك من أرضك لأجل زيارته، محبة له، وتشوقا إليه.
ويستمر العبد الصالح الفقيه الشيخ النراقي حديثه عن آداب زيارة المشهد النبوي بقوله رحمه الله: ثم إذا دخلت مسجده صلى الله عليه وآله فتذكر أن أول موضع أقيمت فيه فرائض الله تلك العرصة، وأنها تضمنت أفضل خلق الله حيا وميتا، فأرج الله غاية الرجاء أن يرحمك بدخولك إياه خاشعا معظما، وما أجدر ذلك المكان بأن يستدعي الخشوع من قلب كل مؤمن. ثم إذا أتيته للزيارة، فينبغي أن تقف بين يديه خاضعا خاشعا خائفا، وتزوره ميتا كما تزوره حيا، ولا تقرب من قبره إلا كما تقرب من شخصه الكريم لو كان حيا، إذ لا فرق بين ميته وحيه، ولو وجدت التفرقة في قلبك لما كنت مؤمنا، ولتعلم أنه عالم بحضورك وقيامك وزيارتك، وإنه يبلغه سلامك وصلواتك. فمثل صورته الكريمة في خيالك، جالسا على سرير العظمة بحذائك، وأحضر عظيم رتبته في قلبك، وقد ورد أن الله تعالى وكّل بقبره ملكا يبلغه سلام من سلم عليه من أمته. وهذا في حق من لم يحضر قبره، فكيف بمن فارق الأهل والوطن، وقطع البوادي شوقا إلى لقائه، واكتفى وقنع بمشاهدة مشهده المنور، إذ فاتته مشاهدة طلعته البهية، وغرته الكريمة. وقد قال صلى الله عليه واله وسلم: "من صلى علي مرة، صليت عليه عشرا". فهذا جزاؤه عليه في الصلاة عليه بلسانه، فكيف بالحضور لزيارته ببدنه؟.
وإذا فرغت من زيارته، فأت المنبر وامسحه بيدك، وخذ برمانتيه، وامسح بهما وجهك وعينيك، وتضرع إلى الله، وابتهل إليه، واسأل حاجتك. وتوهم صعود النبي صلى الله عليه واله وسلم المنبر، ومثل في قلبك طلعته البهية، قائما على المنبر، وقد أحدق به المسلمون من المهاجرين والأنصار، وهو يحمد الله بأفصح الكلمات واللغات، ويحث الناس على طاعة الله. واسأل الله ألا يفرق في القيامة بينه وبينك، وان يجعلك في جواره، ويعطيك منزلا في قرب داره.
بقي أن نشير مستمعينا الأكارم إن بعض هذه الآداب تصدق على زيارة النبي الأكرم وآله عليهم السلام من بعيد أيضا، خاصة ما يرتبط بالتمثل القلبي لمن نزوره منهم عليهم السلام.
تقبل الله منكم أيها الإخوة والأخوات حسن الإصغاء لبرنامج (من فيض أهل المعرفة)، في حلقته لهذا اليوم كونوا معنا في الحلقة المقبلة بمشيئة الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.