السلام عليكم إخوة الإيمان، يُعد مرض الوسوسة من أهم الأخطار التي تهدد مسيرة المؤمن الصادق وسلوكه العرفاني الى الله عزوجل ولذلك فلا مناص له من الإهتمام بمعالجة هذا المرض إذا أصيب به والحذر منه إذا لم يصب به. وهذا هو موضوع الإضاءة المعرفية التي إخترناها لكم من كلام أحد أعلام عرفاء الإمامية الأتقياء في القرن الهجري العاشر قال عنه المحدث القمي في كتاب الكنى والألقاب: هو عز الدين الشيخ حسين بن عبد الصمد بن محمد العاملي، قال شيخنا الحر كان عالما ماهرا محققا مدققا متبحرا جامعا أديبا منشأ شاعرا عظيم الشأن جليل القدر ثقة من فضلاء تلامذة شيخنا الشهيد الثاني رحمه الله. له كتب منها كتاب الأربعين حديثا، ورسالة في الرد على أهل الوسواس سماها العقد الحسيني، وحاشية الارشاد، ورسالة رحلته وما أتفق في سفره، وديوان شعره ورسالة سماها تحفة أهل الإيمان، وله رسائل أخرى، وكان سافر إلى خراسان وأقام بهراة، وكان شيخ الاسلام بها، ثم انتقل إلى البحرين.
وعن كتاب اللؤلؤة لشيخنا الاجل الشيخ يوسف البحراني قدس سره قال: أخبرني والدي ان الشيخ حسين بن عبد الصمد كان في مكة المشرفة قاصدا الجوار فيها إلى أن يموت، وانه رأى في المنام ان القيامة قد قامت وجاء الامر من الله عزوجل بأن ترفع ارض البحرين بما فيها إلى الجنة فلما رأى هذه الرؤيا آثر الجوار فيها والموت في أرضها ورجع من مكة وجاء إلى البحرين وأقام بها إلى أن توفي سنة ۹۸٤.
في مقدمة كتابه العقد الحسيني الذي ألفه في التحذير من مرض الوسوسة وطرق علاجه قال الشيخ عز الدين العاملي: أما الوسواس في الطاهر والنجس والنية في العبادات وأفعال الصلاة فقد قرر الأئمة عليهم السلام أنه من الشيطان وأجمع الناس على ذلك فلابد للمؤمن الرشيد من دفعه عنه، وذلك يكون بوجهين الأول ما بينه الله تعالى وورد عن الأئمة المعصومين من الدعاء لدفعه قال الله تعالى: "وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ"، فأحسن مايقال لدفعه ما أمرنا الله بقوله وأدبنا به، ورويت بسندي المتصل إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: من وجد من هذا الوسواس شيئا فليقل آمنت بالله ورسله ثلاثا، فإن ذلك يذهب عنه.
وبعد أن ذكر الأحاديث الشريفة الواردة في علاج الوسواس قال الشيخ عز الدين العاملي: وقال العلماء أنفع علاج في دفع الوسوسة ذكر الله والإكثار منه لأن الشيطان إذا سمع ذكر الله خنس أي بعد وتأخر فينبغي الإكثار من قول لاإله إلا الله لأنها رأس الذكر. وقد ورد في فضلها وشرافتها واسرارها من طريق الخاصة والعامة ما لا يكاد يحصر ولهذا اختارها أهل السلوك لتربية السالكين وتهذيب المريدين. وقال بعض العارفين: إذا أردت أن تقطع الوسواس فأي وقت أحسست به فافرح فإنك إذا فرحت به انقطع عنك لأنه ليس شئ أبغض إلى الشيطان من سرور المؤمن، وإن غممت به زادك، قلت هذا يدل على أن الوسواس إنما يبتلي به المؤمن لأن اللص لايقصد بيتا خربا لكن دفعه يكون بكمال الإيمان بالله ورسوله والأئمة الراشدين صلوات الله عليهم أجمعين.
وذكر الشيخ عز الدين العاملي علاجاً نفسياً مؤثراً للوسوسة حيث قال: الوجه الثاني في دفع الوسواس الفكر والتعقل وذلك أنه قد علم أنه من الشيطان عدوّنا وعدو أبينا من قبل، حيث وسوس له وأخرجه من الجنة، والباري عزوجل والأئمة المعصومون عليهم السلام قد بينوا ذلك وأمرونا بمخالفته واتباع ظاهر الشرع. قال تعالى: "لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ"، فإذا علمنا ذلك واتبعناه نكون قد خالفنا الله والأئمة المعصومين عليهم السلام واتبعنا عدونا الذي قصده إضرارنا ونكون قد أدخلنا الضرر على أنفسنا أما في الدنيا فبالتعب والعناء بغير نفع وأما في الآخرة فلمخالفتنا أوامر الله ورسوله والأئمة المعصومين وهذا لايفعله موفق رشيد، أجارنا الله وإياكم من ذلك، وكان بعض مشايخنا من السادات يؤدب بعض الموسوسين ويعظه فقال: له أنت تخالف الله ورسوله وتعبد الشيطان بغير فائدة بل للضرر، فقال كيف وأنا أؤمن بالله وألعن الشيطان، فقال السيد: لأن الله ورسوله والأئمة المعصومين قد قرروا للطهارة والنجاسة قدرا وحدوا لها حدودا وأنت تفعل ذلك كما قرروه ومقتضاه أن يكون صحيحا أو طاهرا فيقول لك الشيطان هذا باطل او نجس، فتتبعه وتترك ما قالوه فتعبده وأنت لاتدري فتاب ذلك الموسوس وترك الوسوسة ببركة السيد.
كانت هذه كلمات نيرة في علاج الوسواس، إخترناها من كتاب العقد الحسيني للفقية العارف والحكيم الزاهد الشيخ عز الدين العاملي والد الشيخ البهائي رضوان الله عليهما، وبهذا ينتهي لقاء اليوم من برنامج (من فيض أهل المعرفة)، قدمناه لكم من إذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران، شكراً لكم ودمتم بكل خير.