السلام عليكم إخوة الإيمان، تحية مباركة طيبة يسرنا أن نهديها لكم في مطلع لقاء اليوم من هذا البرنامج، وهدفنا من جعل هذه التحية هدية هو أن الإنسان يفرح بما يهدى له عادة، والله تعالى يحب إدخال السرور على الآخرين، لذلك يكون هذا العمل بحدَّ ذاته عبادة. وهذا مستمعينا الأفاضل مثال عملي للإضاءة المعرفية التي إخترناها لهذه الحلقة وهي ترتبط بأحد أهم المطالب التوحيدية الخالصة التي تعين السالك الى الله عزوجل في تسريع سلوكه الى الحق تعالى وتعبئة كل وجوده بيسر وعافية لهذه الغاية المقدسة.
أما صاحب هذه الإضاءة، فهو فقيه عارف وعالم عامل من القرن الهجري العاشر، إنه والد الشيخ البهائي الشهير وهو الشيخ الزاهد عز الدين الحسين بن عبد الصمد العاملي صاحب الرسائل والمؤلفات القيمة في مختلف فنون المعرفة الإسلامية، كالأخلاق والعقائد والفقه والمواعظ وغير ذلك. وكان له تأثير مهم في تعرف أهل خراسان التي صار شيخ الإسلام فيها؛ تعرفهم على مدرسة أهل البيت عليهم السلام، وبالتالي إنتشار التشيع لهم فيها. وقد إنتقل رحمه الله الى البحرين، وبها أقام حتى توفي فيها سنة ۹۸٤ للهجرة رضوان الله عليه.
قال الشيخ عز الدين الحسين العاملي رحمه الله في أوائل كتاب (العقد الحسيني): قال النبي صلى الله عليه وآله سلم: "إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرء ما نوى". وقد جاء هذا المعنى عن الأئمة عليهم السلام في أحاديث متكثرة، ورتب الفقهاء على الحديث من الفروع ما لايتناهى. ومن هنا لم يكفر الإنسان بالسجود للملوك والأبوين والاخوة كما في إخوة يوسف على قصد الأدب والتعظيم واعتقاد أنهم عبيد مخلوقون ويكفر لو سجد للصنم وأن قصد التعظيم لأنه لا عظمة له ولا يعظمه إلا أهل الكفر. فالسجود له لايقع إلا على وجه واحد ممنوع منه بخلاف الانسان، فإن السجود له يقع على وجه الادب والتعظيم فيكون راجحا إذا كان في العرف تركه إهانة والإنسان أهل التعظيم لأنه عبد الله فتعظيمه تعظيم لله.
مستمعينا الأفاضل ونبقى مع العارف الجليل الشيخ عز الدين العاملي حيث قال في تتمة كلامه: ولهذا ورد في إكرام المؤمن خصوصا الأنقياء وأهل العلم عن أهل البيت مالايتناهى من الحث والثواب والاهتمام حتى ورد أنه من زار مؤمنا فكأنما زار الله تعالى وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من سر مؤمنا فقد سرني ومن سرني فقد سر الله"، وما ذلك إلا لما قلناه لأن تعظيم العبد تعظيم لمولاه وقال الباقر عليه السلام: "إذا أردت تعلم أن في قلبك خيرا فانظر إلى قلبك فإن كنت تحب أهل طاعة الله وتبغض أهل معصيته ففيك خير والله يحبك وإن كنت تبغض أهل طاعته وتحب أهل معصيته فليس فيك خير والله يبغضك والمرء مع من أحب". ومن الحديث السابق أوجب العلماء في العبادات النية لأنها قد تقع لغير القربة كالتبرد وإزالة الوسخ في الوضوء والرياء فيه وفي غيره من العبادات بخلاف ما لايقع إلا على وجه واحد، وما هو مقصود الشارع مجرد حصوله كإزالة النجاسة وحفر القبر وتكفين الميت وإراقة الخمور ونحو ذلك، فإن المقصود من إيجابه مجرد إيجاده لغرض أومصلحة تتعلق به فعلى أي وجه وقع أجزأ، لكنه لايكون لفاعله ثواب على فعله إذا وقع بغير نية وإن أجزأ، ولو نوى القربة أثيب لأنه يصير عبادة لأن الأعمال بالنيات كما تقدم.
وبعد هذا البحث الفقهي يخلص الشيخ عز الدين العاملي الى النتيجة العملية المهمة التي لخصها بقوله في نهاية كلامه المتقدم: ينبغي للعاقل الرشيد أن ينوي في كل أفعاله القربة ليثاب عليها لأن الباري سبحانه كريم يقبل الحيلة لكرمه بل هو الذي دلنا عليها ووضع لنا طرقها حيث إن جميع عباداتنا حيل على كرمه لغناه عنها، وقد كلفنا بها فإذا أكل نوى بأكله القربة في تقوية جسمه على الصلاة والعبادة ودفع ضرر الجوع لأن دفع الضرر واجب، وكذا إذا شرب أو لبس ليقي جسمه من الحر أو البرد، أو نام ليدفع ضرر السهر ويقوم للصلاة نشيطا، أو جامع ليكسر الشهوة الحيوانية ويقبل على ما يهمه من أمور آخرته ودنياه، وعلى هذا المنهج فيصير أفعال الإنسان كلها عبادة ويثاب عليها من جزيل كرم الله تعالى، وهذا هو الرشد الكامل والتجارة التي لن تبور، وفقنا الله لذلك بمنه ويمنه أنه جواد كريم.
ونحن أيضاً مستمعينا الأعزاء نقول اللهم آمين لنا ولجميع الاخوات والاخوة مستمعي إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران، والذين رافقونا مشكورين في هذه الحلقة من برنامج (من فيض أهل المعرفة)، تقبل الله منكم والسلام عليكم.