البث المباشر

المبالغة والتأويل

الإثنين 18 نوفمبر 2019 - 10:56 بتوقيت طهران

إذاعة طهران- من الواقع: الحلقة 45

خبيرة البرنامج: الشيخ عبد الغني عباس الباحث الإسلامي من المملكة العربية السعودية والدكتورة زينب عيسى أخصائية في علم النفس من لبنان
مستمعينا، احبتي الكرام نلتقيكم مرة اخرى في برنامجكم الأسبوعي من الواقع الذي نقدمه من اذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران وفي حلقة اليوم سنكون مع حالة من الحالات التي غالباً ما تطغى على تصرفات البعض عندما يروي قصة ما او ينقل حادثة ما فيتحدث بطريقة يتصورها الأخرون أنها حقيقية، هذه الحالة هي المبالغة والتأويل. وليد الذي تعود على المبالغة كثيراً أمام زملاءه وكان يحاول أن ينقل دائماً ما يراه او ما يسمعه بصورة مختلفة كثيراً عن الحقيقة إنكشفت في يوم تأويلاته ومبالغاته وهذا ما سبب له مشاكل مع الآخرين أدت الى ان نفر منه زملاءه وصار لايثق به أحد بعد ذلك ولأجل تسليط الضوء أكثر على حالة وليد ومعرفة أسبابها ونتائجها السلبية وإنعكاساتها على الآخرين وماهي الحلول لها سنستمع اولاً الى قصته ومن ثم نكون مع ضيفي البرنامج الشيخ عبد الغني عباس الباحث الإسلامي من المملكة العربية السعودية والدكتورة زينب عيسى أخصائية في علم النفس من لبنان فكونوا معنا
أحبتي المستمعين وليد رجل نشيط ومثابر في عمله كثيراً، كان محبوباً ومقرباً جداً من الآخرين بل كان موضع ثقة لكل من يعرفه لذلك عندما كان يقول شيئاً ما او يُبدي رأيه في موضوع ما فكل كان يحترم رأيه ويقدّر قوله لكن الشيء الذي كان خافياً عن الآخرين ولم ينتبه اليه احد هو مبالغته وتأويله للمواضيع التي يتطرق لها والسبب كما قلنا يعود الى ثقة الآخرين به. في احد الأيام وبينما كان متوجهاً الى عمله مرّ بصديقين له كانا يتحدثان، سلم عليهما فردا عليه السلام ثم عادا ليكملا حديثهما. أراد وليد أن يستمع الى ما يجري بينهما فأبطأ في مشيه واذا به يسمع الى أحدهما وهو يقول: أتعلم ياأخي علينا الذهاب الى بيت العم أبو مصطفى للسلام عليه أولاً وللإطمئنان على سلامته ثانياً.
أجابه الآخر قائلاً: إنه عين العقل فهذا من واجبنا ولايمكن أن نتجاهله، نعم يجب أن نزور صاحبنا أبا مصطفى في بيته.
وهنا اعزائي المستمعين بدأ وليد يتسائل مع نفسه: تُرى ما الذي حصل لأبي مصطفى؟ هل هو في وعكة صحية؟ هل هو في خطر؟ ماذا لو كان مرضه خطيراً جداً؟ نعم اذن لماذا قال الصديقان يجب زيارة أبي مصطفى؟ حتماً هناك خطر ما لاسمح الله.
أحبتي وصل وليد الى محل عمله ولما وصل تأفف وأخذ نفساً عميقاً، إنتبه اليه من معه في الغرفة، قال له أحدهم ما بك؟ نظر اليه وليد والحسرة تملأ قلبه ثم قال بشيء من الألم: كان الله في عون صاحبنا العم أبي مصطفى والله لقد أسفت لحاله وما كنت أتصور أنه سيُصاب يوماً بمكروه.
بان القلق مباشرة على الحاضرين وبادره أحدهم بالقول: بالله عليك لقد أقلقتنا، ما الذي حلّ بأبي مصطفى وماذا تعرف عنه؟ قل لنا أرجوك، هل هو مريض، هل حدث له شيء مكروه؟
أجاب وليد وبكل ثقة: نعم لقد كنت ماراً قبل أن آتي الى هنا بشخصين أعرفهما فسمعت أحدهما يقول أن حال أبي مصطفى غير جيدة لذلك فقد قرر الذهاب الى بيته والإطمئنان عليه وفجأة دخل شخص من أقارب أبي مصطفى ولما شاهده وليد قال له: أتعلم أن صحة قريبك أبي مصطفى ليست بجيدة، يجب عليك أن تتصل به او تسرع لزيارته في البيت فربما هو بحاجة الى مساعدتك.
تعجب الرجل وقال: بالأمس كنت عنده ولم يكن يعاني من شيء!
ضحك وليد وقال: لو لم أكن متأكداً من كلامي لما قلت لك ذلك.
أصاب الرجل هو الآخر قلق شديد فأجمع الحاضرون على زيارة صديقهم العم أبي مصطفى حال الإنتهاء من العمل.
فعلاً أعزائي المستمعين توجه الأصدقاء بعد الإنتهاء من العمل الى بيت أبي مصطفى للإطمئنان على صحته وبكل تأكيد فقد كان وليد برفقتهم ولما وصل الجميع طرق وليد الباب، لم يجبه أحد. إلتفت وقال: يبدو أنه لايوجد أحد. طلبوا منه أن لايتعجّل الأمر ويحاول أن يطرق الباب مرة اخرى فطرق الباب مرة ثانية فلم يجبه أحد، طرقه مرة ثالثة ايضاً لم يجبه احد وهنا قال وبكل ثقة: ألم أقل لكم أن حال أبي مصطفى ليست مطمئنة، حتماً نقلوه الى المستشفى ولهذا فقد دبّ القلق الشديد في نفوس الأصدقاء بسبب ما قاله وليد لكن في هذه الأثناء وبينما كان وليد يتحدث سمع الجميع صوت ام مصطفى وهي تقول: نعم من بالباب؟ أجابها أحدهم على الفور: أنا أبا محمد إفتحي الباب ياأم مصطفى.
فتحت المرأة المسنة الباب، نظرت اليهم، إندهشت ثم قالت بإرتباك: تفضلوا تفضلوا!
قال أحدهم: ولكن
قالت أم مصطفى على الفور: ولكن ماذا؟ هل هناك شيء تخفوه عني؟ فحالكم غير مطمئن أبداً، فعلاً فأنا لاأشاهد أبا مصطفى معكم؟
هنا نظر الجميع الى بعضهم البعض، لايعرفون ماذا يقولون فإذا كانت الزوجة لاتعرف مصير زوجها فكيف سيعرفون الحقيقة منها؟ كررت أم مصطفى سؤالها: أرجوكم ما الذي حصل؟ فأنا لاأرى أبا مصطفى معكم، هل جرى له شيء؟
تعثّر لسان وليد وتعثّر لسان الجميع، فعلاً لايعرفون بماذا يجيبون فها هم وصلوا الى بيت صاحبهم أبي مصطفى للإطمئنان عليه لكنه غير موجود وزوجته ايضاً لاتعرف عنه شيئاً، فما هو العمل؟
ولما لم تجد الزوجة إجابة وافية وشافية لا من وليد ولا من الآخرين بدأ حالها يضطرب وبدأت تقلق أكثر وتصر على معرفة الحقيقة ولكن لاحقيقة تُذكر لأن أبي مصطفى لم يكن مصاباً بمرض ولا بأي شيء، واليكم الحقيقة.
في هذه الأثناء وصل الصديقان اللذان كانا يتحدثان بشأن أبي مصطفى في الوقت المناسب ولما عرفا أن زيارة الأصدقاء كانت لإعتقادهم الخاطئ بمرض صاحبهم وأن وليداً قد إرتكب خطأ فادحاً حين بالغ في الأمر شرحا ملابسات الموضوع فقال أحدهما: صباحاً تعرضت سيارة أبي مصطفى الى حادث بسيط لذلك بعد أن سمعنا بالخبر قررنا المجئ الى بيته للإطمئنان عليه وبعد لحظات كانت المفاجأة الأخرى. نعم أحبتي المستمعين فقد وصل أبو مصطفى ايضاً ولما شاهد وليداً وبقية الحاضرين إندهش كثيراً خاصة بعد أن عرف سبب زيارتهم وهنا نظر الى وليد وفي وجهه لوم شديد لما سببه من إنزعاج له وللآخرين.
وهكذا مستمعينا الأعزاء وبعد أن إستمعتم الى قصة وليد وما سببه من إحراج وقلق في نفس الوقت للجميع نتوجه الى فضيلة الشيخ عبد الغني عباس الباحث الإسلامي من المملكة العربية السعودية لسؤاله عما نصت عليه تعاليم الإسلام بخصوص هذه الحالة وماهي إنعكاساتها السلبية على الفرد نفسه كذلك على بقية الأفراد ممن هم على إتصال مباشر بوليد؟ فلنستمع معاً
عباس: بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين وهو المعين والصلاة والسلام على محمد وآل بيته الطيبين الطاهرين
القرآن الكريم يحدثنا عن أهم الصفات التي ينبغي ان يتصف الإنسان بها في حياتها ألا وهي صفة الصدق بل أنه اعاب على أولئك الذين يتناقضون بين أفعالهم وأقوالهم، لماذا؟ لأن الإنسان عليه أن يشرح الواقع كما رآه تماماً بلازيادة ولا نقيصة حتى لايترتب عليه أثر مخالف. ربما في بعض الأحيان نحن لاندرك الواقع فنستند الى قول قائل ونرتب عليه آثاراً شرعية لذلك من أهم الآيات التي يبجثها الفقهاء هي آية النبأ، آية النبأ التي يذكر المفسرون سبب نزولها أن أحد الأصحاب ذهب الى قوم ودعاهم الى الإسلام ولكنهم قالوا ماذا نجني من الإسلام؟ فلم يتكلم بلسانه وإنما أشار بيده على رقبته أي أن الإسلام سوف يوردكم الى القتل! فلم يدخلوا الى الإسلام آنئذ. هذا الرجل رجع الى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأنزل الله قوله تعالى "ياأيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين". المسئلة إنه الناقل اذا نقل خبراً مخالفاً بالزيادة او بالنقصان سوف يولد بعد ذلك جملة من الآثار في بعض الموارد ربما تكون آثاراً شرعية، على سبيل المثال ونحن نقترب من شهر رمضان المبارك لو أن أحداً أذن في غير وقت الأذان، الفقهاء يقولون إذا كان المؤذن طفلاً ويستند الى قوله فإن الصوم يكون باطلاً ويجب عليه القضاء لأنه إستند الى من لاأهلية له في الإستناد. المشكلة أن بعض الناس في حياتهم يتعلمون على المبالغة، يبالغون في الأشياء الى أبعد الحدود ويوهمون الطرف الآخر بأن هذا الأمر الذي نتحدث عنه وصل الى هذه الدرجة والى هذه الكيفية من المبالغة وهنا ينبغي أن نتأمل في هذه المبالغات حتى في الشريعة المقدسة بعض الفقهاء ربما يُسألون عن بعض الأسئلة الشرعية وكاتب السؤال يبالغ في السؤال الى أبعد الحدود ولكن الفقيه لايعبأ بمن سأله وما سأله هو عندما ينظر الى الواقع وينظر الى دقة الحكم الشرعي. من باب الأمانة ينبغي على الإنسان أن ينقل الشيء الذي رآه بلا زيادة ولانقصان لذا من أهم صفات المؤمنين بالإضافة الى الصدق، الأمانة؛ الأمانة في النقل. من هنا عندنا رواية تتحدث عن المروءة؛ المروءة لها تجليات كثيرة من ضمنها المروءة في السفر بمعنى انك اذا سافرت مع جماعة ورأيت منهم شيئاً ربما غير مألوف على سبيل المثال رأيت أحدهم ذات يوم يصلي قضاءاً لايصح لك من باب المروءة أن فلاناً صلى قضاءاً في هذا اليوم، هذا خلاف المروءة. اذن في جملة من الموارد يجب أن نعود انفسنا على الدقة في النقل لاسيما في هذه الأزمنة تعلمون وسائل الإتصال كيف أنها تطورت الى أبعد الحدود ربما ينبغي علينا أن نجري عليه الآية ايضاً "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا" (سورة الحجرات الآية ٦) فنحن لانصدق كل مايقال، لذلك قالوا إنه بين الحق والباطل أربعة أصابع لأن في الرؤية عبارة عن الحقيقة بينما السماع ليس بالضرورة يكون دالاً على الحقيقة. من ناحية أخرى أظن الى أننا مدعون الى أن نسأل وأن نعود مجتمعنا على هذه المسئلة ايضاً، الى أن نسأل كل من نقل لنا خبراً عن مصدره حتى يعود الناقل نفسه على السؤال يعني بمجرد أن يأتي رجل هذا اليوم وينقل خبراً أن هذا الحدث قد جرى، مباشرة ينبغي ان نسأل من اين لك هذا الخبر؟ كيف وصل اليك هذا الخبر؟ بهذه الصورة نحن نعلم الناقل أن لاينقل كل مايسمع دون دليل. لذا جاء في الحديث الشريف وفي الحكم العقلية "حدّث العاقل بما لايليق" في بعض الأحيان ميزان العقل يبين لنا أن هذا المنقول فيه زيادة، أن هذا المنقول فيه نقصان او ربما فيه مبالغة شديدة الى أبعد الحدود، نحن مدعوون الى أن نقرأ الواقع بدقيته من دون مبالغة او نقصان ولذا فيما يتصل عن الأموات ايضاً ربما نبالغ في ذكر الأموات إما بالسوء وإما بالخير ولكن الروايات تقول إذكروا محاسن موتاكم، هذا المقدار البسيط الذي كان الميت يقوم به من العمل الصالح من المناسب جداً أن نذكره. ينبغي علينا أن نعلم أنفسنا على الصدق بالقول بلا مبالغة وأن نعلم الناقل ايضاً بسؤاله من أين لك هذا؟ حتى نتعلم جميعاً أن ننقل الأحداث والأخبار بواقعيتها من دون زيادة او نقصان. أسأل الله تعالى أن يوفقنا جميعاً في الدقة في نقل الأخبار وعدم المبالغة فيها حتى لاتترتب عليها آثار شرعية وتكون مناقضة للغرض وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.
والآن أيها الأعزاء نتوجه الى الدكتورة زينب عيسى الأخصائية في علم النفس من لبنان لمعرفة رأيها فيما يخص حالة وليد ولماذا كان دائماً يؤول المواضيع ويبالغ فيها كثيراً وكيف يمكن لوليد أن يترك هذه العادة؟
عيسى: بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على سيدنا محمد أشرف الخلق والمرسلين وعلى آله الطيبين الطاهرين
أن حالة الشاب التي ذكرتموها هي حالة تدخل ضمن طابع من حالة من التضخم الذاتي الذي يأخذ طابع المبالغة الخرافية ليشعر أن لديه قدرات وممتلكات ومكانة وحالة من الإمتداد الوجودي بشكل يجعل المحيط منحسراً أمام الذات فالحالة التي طرحتموها هو شخص مبالغ في الإدعاء ولايستند الى أي إحساس من الواقع الذاتي او الموضوعي. أحياناً هذه الحالات إن كانت حالات مرضية، يتسم الشخص أنه مهوس بالعظمة وإرتفاع الشأن او أن هذا الشخص على مستوى آخر يقدم ذاته بدون جهل فعلي للوصول الى مكانة كبيرة في نظر الآخرين فيبالغ بكل الأشياء، بالقصص، في الحاديث، بالروايات حتى بالأشياء التي ترتبط بقدراته وتوجهاته وتطلعاته، هذا تطلع مرضي، هذه المبالغة حالة مرضية اذا ما إستمرت مع هذا الشخص أولاً كما تفضلتم يتركه المجتمع وينفصل عنه المجتمع لأنه يُتهم بالكذب حتى يصل الى حالة الهذيان فمن هنا يجب على هذا الشخص أن ينتبه الى سلوكه هذا السلوك اللاواعي الذي يرده على المستوى باللاوعي بالعظمة وهذا يعطيه إنطباع على المستوى النفسي ولكن إمتلاء هواني، هذا سلوك مرضي ينبغي ان ينتبه الى هذا السلوك وفي طبيعة الحال اذا هو إنتبه الى هذا السلوك لما وقع في هذا المرض فعلى المجتمع الذي يحيطه، أنا لم أسألك عن عمره إن كان شاباً او مراهقاً او صغيراً، على الأسرة التي تحيطه إن كانت المدرسة او الأصدقاء او الأهل ان ينتبهوا الى هذه المسئلة وان يستشيروا أختصاصي في علم النفس لأن حالته اذا كانت متطورة تستدعي جلسات من التحليل النفسي. هذه الحالة النفسية لها تأثير كبير على الشخص لأنها على الإمتداد تؤثر على علاقاته الإجتماعية وعلى المستوى الذاتي تؤثر في الإنسحاب والإرتداد نحو الذات وبالتالي تشكل عدوانية تتوجه إما نحو الداخل ويصيبه نوع من الإحباط والعزلة وإما الى الخارج عدوانية موجه الى الاخرين وعلى مستوى المجتمع فالمجتمع لايعد يتخذ بهذه الشخصيات فينبذونه ويتركونه ولايتعاطون معه على أي صورة من الصور.


في ختام حلقة اليوم نشكر لضيفينا العزيزين حسن المشاركة في برنامج من الواقع الذي قدمناه لكم من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران كما نشكر لكم حسن الإستماع، الى اللقاء والسلام عليكم.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة