البث المباشر

اليأس

الإثنين 18 نوفمبر 2019 - 10:23 بتوقيت طهران

إذاعة طهران- من الواقع: الحلقة 42

ضيوف البرنامج: سماحة الشيخ صادق النابلسي الباحث الإسلامي من لبنان والأستاذة زينب عيسى الباحثة الإجتماعية من لبنان
المحاور: نرحب بكم مستمعينا الأعزاء من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران ونقدم لكم برنامج من الواقع الذي سنتناول فيه لحلقة اليوم موضوعاً مهماً يتعلق بمدى صبر الإنسان وتحمله للمشاق. أحبتي هناك من يفقد أمله ويفقد صبره بسرعة في لحظة من اللحظات فبدلاً من أن يشد من عزيمة نفسه نراه يشعر بالإحباط واليأس من حجم المشاكل والمصائب التي تحل به وهناك من يصبر ويقاوم ويجاهد ويقطف ثمرة صبره، النجاح. اذن موضوع حلقة اليوم سيكون عن اليأس الذي قد يصيب الإنسان ولكي لانُطيل عليكم تعالوا معنا نستمع الى قصة وفاء وكيف دبّ اليأس فيها وأوشكت أن تخسر حياتها. بعدها سيكون لنا لقاء مهم مع ضيفي البرنامج سماحة الشيخ صادق النابلسي من لبنان والأستاذة زينب عيسى الباحثة الإجتماعية من لبنان ايضاً لتوضيح إنعكاسات اليأس على الفرد المسلم وبالتالي إنعكاساتها ايضاً على المجتمع وماهي الحلول للتخلص من هذه الحالة؟
أحبتي المستمعين وفاء شابة في مقتبل العمر، تعيش مع عائلتها المكونة من الأب والأم وأخ أكبر منها وكذلك اختها. في صباح أحد الأيام عندما دخلت الطالبات صفوفهن عند الدرس الأول كانت وفاء تتحدث مع زميلتها حنان قبل ان تبدأ المعلمة بشرح المادة المقررة وفجأة دخل موظف شؤون الطالبات قاعة الدرس وبيده ورقة صغيرة أعطاها للمعلمة، قرأت المعلمة الورقة ثم نظرت الى الطالبات فأثارت بذلك نوعاً من القلق والحيرة لكنها لم تتأخر كثيراً حتى نادت بإسم الطالبة وفاء. نهضت وفاء من مكانها دون أن يظهر عليها التعجب او الدهشة فهي تعوّدت على أن يُنادوا بإسمها في قاعة الدرس وهذا ما كان يولّد عندها نوعاً من الأسى والحزن عندما تُقارن نفسها مع باقي الطالبات وأحياناً يُصيبها هذا الموقف باليأس من الإستمرار في المدرسة بسبب كثرة الإحراجات التي كانت تقع فيها امام زميلاتها. خرجت وفاء من قاعة الدرس وتوجهت بصحبة الموظف الى غرفة مدير المدرسة ولما دخلت وجدت ثلاثة من ضباط الشرطة جالسين ينتظرون قدومها وحال دخولها بادر احدهم بسؤال وقال لها بلهجة عنيفة: اين أبوك؟ ثم سألها الآخر بنفس اللهجة: واين أخوك؟ تمتمت وفاء وبان عليها الخوف في تلك اللحظة فهي شابة لاتزال عودها طرية. كرر عليها الضابط الأول بنفس اللهجة العنيفة: قلت لك أين أبوك؟ ثم سألها الآخر ذات السؤال: واين أخوك بسرعة أجيبيني. لم تتمالك وفاء نفسها فبدأت دموعها تتساقط وهنا قال لها ثالثهم بإستهزاء: كفي عن البكاء رجاءاً وقولي لنا أين أبوك وأخوك حتى نعود بسرعة من حيث أتينا؟ هيا قولي. نظرت وفاء الى مديرة المدرسة والحسرة تملأ قلبها فلاأحد يقف بجانبها في هذه اللحظة لكن المديرة كانت صامتة تخاف أن تقول شيئاً ومن النظرات المتبادلة معها فهمت وفاء موقف المديرة المترددة والمتخوّف من أن تُبدي رأياً ما.
أحبتي المستمعين خرج ضباط الشرطة الثلاثة من المدرسة تاركين وفاء بعد أن نالوا من كرامتها أمام مديرة المدرسة بشتمها وتوبيخها وإهانتها بأنها تنتمي الى عائلة الأب مطلوب للإستدعاء والتحقيق ومثله إبنه والسبب أن الحكومة كانت تبحث ومنذ شنها حرباً على دولة جارة لها عن كل من لهم أصول وجذور تعود الى تلك الدولة لزجهم في المعتقلات والسجون دون عذر مشروع. فكيف نتوقع اعزائي المستمعين ألا تُصاب وفاء باليأس من حياتها في هذه الحالة لذلك وقبل أن ينتهي الدوام الرسمي طلبت وفاء من مديرة المدرسة أن تسمح لها بالخروج من المدرسة للذهاب الى البيت مسرعة فالقلق والخوف بدءا يتملكانها بشدة والشعور بحلول مصيبة ما على العائلة أصبح مُحتملاً في كل لحظة. لمَ لا والأمر وصل الى التحقيق والمُسائلة بلهجة العنف من قبل عناصر النظام الحاكم لطالبة شابة داخل حرم المدرسة؟ خرجت وفاء وتوجهت بسرعة الى البيت وجدت ما كانت تخشاه وتخاف من أن يحدث في يوم ما. نعم أحبتي المستمعين كانت الشرطة قد عثرت على الأب والأبن وساقتهما الى المعتقل، هذا ما عرفته من الجيران الذين تجمعوا قُرب باب الدار ولما حاولت أن تدخل منعها البعض من الدخول، فتعجبت لكنها أصرت على الدخول فمنعتها الحاجّة ام علي وقالت لها: بُنيتي لاتيأسي من رحمة ربك، تعالي معي الى بيتي هذه الليلة، إستغربت وفاء من هذه اللهجة ولكنها لم تستجب لطلب الحاجّة أم علي وحاولت أن تعرف السبب وعندما أصرت على الدخول وقفت أمامها ام علي بإصرار ايضاً فأصابها شعور ألهب قلبها وأدمى مُقلتيها فقد أحست بالمصيبة، صرخت فإحتضنتها الحاجّة أم علي وقالت لها مرة اخرى: بُنيتي! فتعالت صرخات وفاء في الحي دون شعور منها. بكى الحاضرون دون إرادة منهم وقالت إحدى النسوة: والله ياوفاء إن مأساتك ليست بهينة!!
مستمعينا الأفاضل لما عرفت وفاء بأن أمها قد سقطت ميتة بسبب الخبر الذي جاءها عن إعتقال الشرطة لزوجها وإبنها لأنها كانت مريضة لاتقوى على الصمود او تحمّل هذه المشاكل، تغلّب اليأس بشدة أكثر هذه المرة على وفاء وشعرت وفاء بأن كل الأبواب أغلقت بوجهها، فقدت دعائم من أسرتها ولا أمل لها في هذه الحياة.
المحاور: مستمعينا الأفاضل وبعد أن إستمعتم الى قصة اليوم وعرفتم كيف أن اليأس قد تملّك وفاء وصارت الأفكار السوداوية تهيمن عليها لذلك نتوجه وإياكم الى سماحة الشيخ صادق النابلسي الباحث الإسلامي من لبنان لسؤاله عما ينصح به الإسلام في هكذا حالات وكيف يمكن للإنسان أن يتغلب على مشاكل الحياة حتى المشاكل العصيبة ولماذا نصح الإسلام بذلك؟
النابلسي: بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا ونبينا وحبيب قلوبنا وشفيع ذنوبنا أبي القاسم محمد بن عبد الله وعلى آله الطيبين الطاهرين
من دون أدنى شك أن اليأس من المشاكل والأمراض الخبيثة التي يمكن اذا دخلت على روح الإنسان وعقله وقلبه يمكن أن تدمره وتجعله بعيداً عن الواقع وعن الحياة فيمكن أن يتخلى عن كل شيء ويصل الى حدود الإنتحار اذا بلغ به اليأس مبلغاً كبيراً لذلك الإسلام عالج هذه المشاكل ودفع بالإنسان الى أن لايتعبر أن هناك ذنباً او أن هناك أمراً لايمكن أن تصله رحمة الله تبارك وتعالى فقد ورد في الآية القرآنية "بسم الله الرحمن الرحيم "قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ"، (سورة الزمر٥۳) وقد ورد في أحد الأدعية أنه "لايغفر الذنب العظيم إلا أنت ياعظيم". الإنسان مهما بلغت مشاكله وأزماته لايجب أن يبتعد وينقطع عن الله تبارك وتعالى بل الإنقطاع هو الإبتعاد عنه دليل عن إحتجاب الفطرة ودليل على أن هذا النور لم يكتمل عنده لذلك يجب أن يتوجه الى الله تبارك وتعالى. ورد في الدعاء "إلهي من لي غيرك أسأله كشف ضري والنظر في أمري"، وورد في الآية القرآنية "يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء" اذن يجب أن نعود الى الله تبارك وتعالى لأن العودة اليه تخرج الإنسان من وضعه ومن مرضه لذلك يجب أن يرجو الله وهذا الرجاء لايجب أن يكون منقطعاً عن العمل، الرجاء الصحيح هو الأمل بالرحمة الإلهية مع العمل. اذا عدنا الى الآية القرآنية نلاحظ ماأجمل وألطف هذه التعابير عندما يقول الله تبارك وتعالى "قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا" لم يقل أيها العصاة وأيها المذنبون، يحاول أن يتقرب من عباده ويسهل عليهم الأمور ليتقدموا اليه لأن العبد كلما تقدم الى الله تبارك وتعالى أنملة تقدم الله تبارك وتعالى اليه أشواطاً وأميالاً لذلك ايضاً في الآية القرآنية لم يقل أخطئوا بل قال أسرفوا وهذا دليل على الرفق الإلهي وعلى الرحمة الإلهية وعلى التودد الإلهي في الخطاب ثن قال "لَا تَقْنَطُوا" وهذا الأمر يدل بصراحة على النهي عن القنوط وحرمة اليأس من مغفرة الله تبارك وتعالى ثم يؤكد بجملة اخيرة "إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً" ، مهما بلغت هذه الذنوب لذلك الإسلام والدين الحنيف يدعو الإنسان على عدم الإنقطاع الى الله، أن يتوجه اليه في كل ملمة وفي كل شديدة من الشدائد لأنه محل الإحتياج وهو المكان الصحيح الذي يلجأ اليه الإنسان في اي وقت من الأوقات ليس هناك من حاجز ومانع على الإطلاق، يتوجه الى الله تبارك وتعالى ويجد عنده حاجته وبذلك عندما يكون غافلاً وعندما يكون متذكراً وعندما يكون متواصلاً مع الله تبارك وتعالى فإن نور الإيمان يدخل اليه وعند ذاك يخرج من هذه الأزمات التي تحل به مهما عظمت لذلك نصيحتنا ان يعود الإنسان في كل وقت وأن يتوب وباب التوبة مفتوح وعليه أن يكد في التوجه الى الله تبارك وتعالى لأنه ساحة الرحمة الإلهية التي لاتنقطع ولاتجف أبداً.
المحاور: أيها الأكارم وبعد أن إستمعنا لما قاله سماحة الشيخ صادق النابلسي نتوجه الآن الى الأستاذة زينب عيسى الباحثة الإجتماعية من لبنان لسؤالها عن اهم دوافع اليأس عند الإنسان وكيف يستطيع أن يتغلب عليه وماهي النصائح والإرشادات حول ذلك؟
عيسى: بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على سيدنا محمد أشرف الخلق والمرسلين وعلى آله الطيبين الطاهرين
اليأس هو حالة مرضية وحالة تأزم نفسي وهذا التأزم النفسي يمكن أن يصل في قمته الى حالات الإنتحار وذلك لما تتغلب غريزة الموت على غريزة الحياة؛ وهذا اليأس أحياناً يكون نتيجة تراكمات وضغوطات نفسية وإحباطات متكررة دون أن يجد الفرد خلاصاً لهذه الضغوطات والإحباطات ويمكن القول إن اليأس يختلف بدرجته بين شخص وآخر وذلك تبعاً للبناء الشخصي والنفسي للفرد الذي يعاني من اليأس. هناك أسباب متعددة لليأس فقد يكون اليأس من البطالة، الشباب الذي لايجد عملاً، الفقر أنا أقول النقاط سريعاً وبإختصار شديد لأنها تتطلب شروحات كبيرة؛ فقد تكون من أسباب اليأس البطالة، الفقر، الأشخاص الذين يفقدون السلطة، الوحدة، مشاعر الإكتئاب، فقدان الأمل وايضاً الإحباط في تحقيق الأهداف والذات كذلك يبرز اليأس في عدم القدرة على مواجهة متطلبات الحياة بمعنى آخر الفشل في الوصول الى صيغة تسوية فاعلة في تحقيق الذات ولكن حينما نتكلم حول اليأس والذي يظهر بشكل واضح عند المسنين، نحن نتحدث عند اليأس عند سن التقاعد والشيخوخة خاصة وهذا يظهر عند الأفراد المسنين الذي عانوا سابقاً من فشل تحقيق مهام المراحل العمرية السابقة فيقعوا في اليأس والضياع، هذا تعريف اليأس بشكل عام وأسبابه وأنواعه ولكن كيف يمكن معالجة اليأس؟ بشكل عام إن كان عند الشاب او عند المسن او الشيخوخة او كان في مراحل متأخرة يمكن معالجة اليأس من خلال الدعم النفسي وهذا مهم جداً، الدعم النفسي من المحيط الذي يعيش فيه الإنسان الذي يعاني من اليأس وخاصة الدعم من قبل الأسرة، الأسرة لها دور هام في تعزيز ثقة الفرد الذي يعاني من اليأس، تعزيز ثقته بنفسه، بقدراته، بإمكانياته، بطاقاته، بإعطاءه فرص الأمل الإنطلاق من جديد نحو الحياة. ايضاً من العوامل التي تساعد على معالجة اليأس ملئ أوقات فراغ هذا الشخص بأمور ذات منفعة، ذات تسلية وأنا أشدد على التمارين الرياضية لأن الرياضة تساعد على تخفيف حدة اليأس ومشاعر الإنقباض والإحباط.
المحاور: في ختام حلقة اليوم اعزائي نتوجه لضيفينا الكريمين بالشكر الجزيل كما نشكر لكم حسن الإستماع الى برنامج من الواقع الذي قدمناه لكم من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران، الى حلقات أخرى قادمة الى اللقاء والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة