ضيوف البرنامج عبر الهاتف: سماحة السيد حسن الكشميري الباحث الاسلامي من مدينة قم المقدسة والدكتورة غادة زيدان الباحثة الاجتماعية من لبنان
المحاور: بسم الله الرحمن الرحيم مستمعينا الأفاضل في كل مكان السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته. أيها الأكارم في حلقة اليوم سنتناول معكم موضوعاً يكون احياناً سبباً في زعزعة العلاقة او فقدان الثقة المتبادلة بين الأصدقاء، موضوعنا لهذا اليوم أعزائي المستمعين هو عن الحساسية المفرطة وهذه الحساسية غالباً ما تتولد عند الإنسان الذي يحل غريباً او يُقدم على مجتمع جديد او يعيش بين مجموعة من الأشخاص تختلف جنسياتهم وألوانهم وهكذا. ولكي نُلقي الضوء أكثر على هذا الموضوع تعالوا معنا نتابع قصة الطالب عبد الله ومن ثم نعود وإياكم الى لقاء ضيفي البرنامج لمناقشة القصة من الجانب الديني مع سماحة السيد حسن الكشميري الباحث الإسلامي من مدينة قم المقدسة ومن الجانب الإجتماعي الدكتورة غادة زيدان الباحثة الإجتماعية من لبنان. فكونوا معنا
أهلاً وسهلاً بكم أحبتي المستمعين قصتنا لهذه الحقلة ستكون عن صديقنا عبد الله، عبد الله طالب في كلية الحقوق كان نصيبه أن يٌُقبل في كلية تقع في محافظة اخرى بعيدة عن منطقة سكناه لذلك وأسوة بالآخرين وجب عليه أن يسكن في أحد الأقسام الداخلية للطلبة وهذا يعني أن هناك طلبة آخرين قد قدموا مثله من محافظات بعيدة ايضاً والبعض الآخر قد قدم من دول اخرى. كانت مشاعر عبد الله منذ وطأت قدمه القسم الداخلي قلقة بعض الشيء وأحاسيسه مرتبكة فهو منذ صغره كان خجولاً ولم يتعوّد على مخالطة الأصدقاء الا القليل منهم فكيف سيكون حاله وقد قدّر الله سبحانه وتعالى له أن يسكن في مُجمّع طلابي يضم مئات الطلبة الذين وفدوا من انحاء مختلفة من العالم لذلك فقد تسمّر عبد الله قليلاً أمام الغرفة التي كان قد خصصها له مشرف القسم ولم يجرأ على طرق الباب بادئ الأمر إنما كان يستمع الى ضحكات بعض من كان في الغرفة وأحاديث البعض الآخر لكنه أجبر أخيراً أن يطرق الباب.
فتح أحدهم الباب فتبادل التحية ولما دخل وجد ثلاثة آخرين كان يبدو واضحاً أنهم من جنسيات مختلفة، بادرهم بالسلام فردوا عليه ولما أراد وضع حقيبة السفر على الأرض سرع احدهم لوضعها في المكان المخصص لها كتعبير بسيط على حسن الإستقبال والترحيب لكن عبد الله إمتنع وفضّل أن يضعها هو بنفسه.
مرت الأيام وعبد الله يخرج يومياً صباحاً الى الكلية لايكلم أحداً ولايحاول أن يختلط بأحد ولايمارس لعبة رياضية ما مع أحد بل يعود بعد إنتهاء الدوام الى القسم الداخلي، يغتسل ثم يصلي ثم يأكل شيئاً ثم يُكمل بعض واجباته الدراسية وبعدها يذهب الى النوم وهكذا والسبب أن زملاءه إكتشفوا مدى حساسيته وفرطها فكانوا كلما حاولوا أن يقتربوا منه إبتعد عنهم. في يوم ما وبعد عودته الى القسم الداخلي وجد عبد الله باب الغرفة مؤصدة، طرق الباب عدة مرات فلم يُجبه احد، ظل يتسائل مع نفسه: هل يُعقل أنهم لم يعودوا بعد؟ ياألهي أين ذهبوا؟ ماذا سأفعل أنا في هذه الحالة؟ هل سأبقى واقفاً أنتظر عودة احدهم؟ الذنب ذنبي نعم، الذنب ذنبي لو كنت أمتلك مفتاحاً لما كنت وقعت في هذه الورطة! مرت الدقائق وعبد الله متحيّر ماذا يفعل وشيئاً فشيئاً بدأ ينفد صبره وبدأ يشعر بالإنزعاج والحساسية المفرطة جرّاء هذا الأمر فظن أن في ذلك فعلاً متعمداً من قبل زملاءه وراح يفكر بعدة طرق لفتح الباب، حين كرر عبد الله دفع الباب بقوة بكفه لفتحها فجأة سمع صوت أحد زملاءه يقول: تمهّل ياعبد الله، إنتظر لحظة سوف أفتح لك الباب. تعجّب عبد الله كثيراً مما سمعه وأخذته الدهشة. لماذا كان اذن الباب مؤصداً من قبل زميله؟ ولماذا تأخر عن فتحها؟ ولماذا عندما قرر كسرها ناداه زميله بأن يتمهّل؟ وفعلاً فتح زميله الباب وكانت المفاجأة! لقد قرر زملاء عبد الله أن يحتفلوا به بطريقة قد وجدوها مناسبة لتقريب زميلهم اليهم وخاصة وقد عُرف عنه في الكلية بإجتهاده وتفوقه في الدراسة كثيراً لكن المفاجئة التي ظنها الزملاء أنها ستحل المشكلة قد إنقلبت كما ينقلب السحر على الساحر! نعم فقد توترت اعصاب عبد الله ورفض هذا الأسلوب بالتعامل معه ظناً منه أن زملاءه يسخرون منه فصرخ بوجههم قائلاً: هل أنا معقّد بنظركم؟ هل شكوت لكم؟ أم طلبت منكم أن تخففوا عني؟ أنت مخطئون جداً بحقي. هنا حاول الزملاء شرح ما أرادوا القيام به لعبد الله لأنه تعبير بسيط لحسن نواياهم لكن المحاولة باءت بالفشل.
المحاور: أيها الفاضل إستمعتم الى قصة صديقنا عبد الله وبعد أن تعرفنا على مدى حساسيته إتجاه زملاءه رغم أنهم حاولوا جاهدين التقرّب اليه وكسر الحواجز التي بناها عبد الله عبثاً، أدعوكم لمتابعة برنامج من الواقع
المحاور: نتوجه الآن الى السيد حسن الكشميري الباحث الإسلامي من مدينة قم المقدسة لسؤاله عما يجده الإسلام مناسباً لصديقنا عبد الله في نصيحته وإرشاده الى السلوك الصحيح تجاه الآخرين وماهي الطريقة المُثلى للتخلص من حساسيته؟
الكشميري: بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله آل الله
مايريده منا أهل البيت وماتريده منا ثقافة اهل البيت أن نكون مترسلين بالامور والتعاملات مع بعضنا البعض غالباً ما أشار اليه الاخر او هذا يثار، موضوع الحساسية والتحسس واحياناً التحسس والعياذ بالله يجرنا الى سوء الظن كما الله عزوجل يقول "إن بعض الظن إثم". في الواقع تعليمات اهل البيت هكذا تقول بأن من يبتلى بالحساسية او مرض الشك او بعقدة من هذا القبيل عليه أن يضع الى جنبه صفحة اخرى يرجع اليها، هذه الصفحة تقول أن هذه الامور كلها تعلق بالله سبحانه وتعالى وتناط بالله عزوجل والانسان الذي يتوكل على الله دائماً يكون واثقاً من نفسه ويكون بعيداً عن حالات التشكيك وحالة التفسيرات السلبية. الوساوس ما معناها؟ الوساوس هي تلقي في روع الانسان تفسيراً معاكساً للواقع فيأخذ الامور مثلاً فلاناً ابتسم، إبتسم يعني استبشاراً بلقائي ولكن الشيطان يفسر هذا بأنه يدفعني الى أنه استهزاء او فلاناً اصبح سخياً ولكن الشيطان يدفعي الى أن افسر هذا بأنه مبذر او أنه غير منتظم في سلوكياته. على اية حال المراد من الانسان أن يترسل في الامور وأن يتعامل بكل بساطة ويتكل على الله سبحانه وتعالى والله عزوجل يقول "وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ".
المحاور: وبعد أن إستمعنا الى ماقاله السيد حسن الكشميري نتوجه الآن الى الأستاذة الدكتورة غادة زيدان الباحثة الإجتماعية من لبنان لسؤالها عن أسباب الحساسية المفرطة ولماذا فشل زملاء عبد الله في كسر حاجز الحساسية عند زميلهم عبد الله وماهي الحلول بنظرها؟ فلنستمع اليها
زيدان: بسم الله الرحمن الرحيم
أولاً كل طفل، كل الاطفال يمروا بمراحل معينة في نموهم، نحن ماذا نريد من الطفل؟ يجب تهيأته منذ الصغر ففي العمر المبكر وفي الطفولة المبكرة من هنا تبدأ تكوين شخصية الاطفال وبتكوين شخصية الاطفال نحن لانريد أن يكون عندنا تطرف، لاتطرف بالحساسية ولاتطرف بعدم الحساسية لذلك دائماً نحرص كأهل، كآباء وأمهات ومن ثم كمدرسة وكمعلمات ومن ثم الى المجتمع نحرص أن نخرج طفلاً او إنساناً يكون في المجتمع ذا شخصية متوازنة فالشخصية المتوزنة معناها أن لايكون هناك أي نوع من الافراط عند الطفل. إذا نأخذ الحساسية المفرطة وأسبابها ومن اهم اسبابها هي عدم تهيئة الطفل منذ الصغر كما قلت لمخالطة او الاختلاط مع عدة نماذج من الناس والانفتاح على اكثر من بيئة يعني لانعلم طفلنا إننا نحن الصح وكل الناس الغلط، لانعلم طفلنا انه وحيد لنفسه، الانسان لايستطيع أن يعيش وحيداً لنفسه ويجب أن يكون مع امه وابيه واخته واخيه، لا، نحن ابتداءاً ومن عمر الطفولة نعرض الولد لعدة مواقف، نختلط مع الناس، نأخذ اولادنا معنا او نأتي بأولاد الاخرين عندنا في البيت، هذا ابتداءاً في المنزل. نخرج قليلاً ويكبر المربع اكثر ونأتي الى المدرسة في تشجيع الولد في مشاركة كل شيء مع الغير يعني لن تكن عندنا حساسية مفرطة الى أننا لانتحمل ونزعل لذلك الاختلاط الصحيح منذ الطفولة ومواجهة الاولاد لأكثر من موقف من البيت والمدرسة وغيره. الان نأتي الى اهم الحلول لهكذا مشاكل مفرطة، اهم حلولها إننا بالدرجة الاولى نساعد اولادنا ونعطيهم عدة حالات يعني اذا احد طلب منك شيء لاتتأثر او أنه شاركك في جزء من ألعابك او شاركك في جزء من أكلاتك، فنتحاشى أن يصل الولد الى هنا فنعرضه الى عدة مواقف ليحس أنه طبيعي أن نعطي جزء من الذي عندنا ونبتعد عن الانانية. لماذا يكون الانسان حساس زيادة عن اللزوم؟ يكون حساس لأنه يحس أن كل شيء له وبأنانية ولااحد يشاركه في ملكيته حتى ابتداءاً من علاقته بأمه يمكن الام اذا شاركت اخ ثاني او اخت ثانية داخل البيت نفسه ممكن أن يبكي، لا يجب أن يعرف أنه هو له حق والغير ايضاً له حق وهنالك مشاركة في الحياة وليس هناك احد يكون لوحده وبس، هذه تساعدنا أن نساعد اولادنا إن شاء الله.
المحاور: اذن أحبتي تبيّن أن حالة الحساسية المفرطة التي تُصيب أولادنا وتلازمهم في حياتهم هي حالة تبدأ منذ الصغر وترجع الى طبيعة ثقافة الأسرة او البيئة التي يعيش فيها الأولاد لذلك على الآباء والأمهات التمسك أولاً وقبل كل شيء بمنهج آل البيت عليهم السلام الذين لم يبخلوا بإرشادنا ونصحنا وتوجيهنا سواء فيما يتعلق بتربية الأولاد او العناية بهم ورعايتهم وغير ذلك من أمور الحياة التي تخصنا فالإختلاط بالآخرين وحبهم وحث الأولاد على ذلك حتماً سيكون له منافع وفوائد إجتماعية لاتنعكس على الأولاد فحسب وإنما سيكون لها مردودات جمّة تنعكس على المجتمع ككل وهذا ما دعا له ديننا وألزمنا أن ننظر الى الناس نظرة تآلف ورحمة وحب وأن لانخاف او نتردد في تقديم المساعدة او ربما قبولها من الآخرين ومن يتوكّل على الله فهو حسبه.
المحاور: في ختام حلقة اليوم نشكر حسن الإصغاء والمتابعة لبرنامج من الواقع الذي قدمناه لكم من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران كما نشكر لضيفينا الأعزاء حسن مشاركتهما نلتقيكم بإذن الله في حلقات اخرى قادمة.