بسم الله الرحمن الرحيم
مستمعينا الكرام، نرحب بكم من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران، ونقدم لكم حلقة جديدة من حلقات البرنامج الاسبوعي «من الواقع». وحلقة اليوم ستكون عن قصة بعض أطفالنا الذين تجبرهم الحياة الصعبة منذ نعومة أظافرهم لأن يدخلوا معترك الحياة، حين ينخرطون في أعمال لاتناسب أعمارهم، والسبب طبعاً، هو لمساعدة ذويهم.
فنشاهد بعضاً منهم وقد أصبح عاملاً في مطعم أو في مخبز أو في إحدى المعامل أو إحدى الورش، وهذا سوف يبعده حتماً عن تلقيه التربية والتعليم وأهميتهما في الحياة الانسانية، ما يؤدي الى تغيير خطير في سلوكه وتربيته، وبالتالي سيصيب هذا الطفل المسكين البرئ، ضعفاُ في أخلاقه، وربما تلوثاً فيما بعد، في سلوكه. و كما عوّدناكم مستمعينا الاعزاء بعد استماع قصه اليوم سنستضيف أحد علماء الدين وأحد الخبراء الإجتماعيين او التربويين او النفسانيين للاجابه على بعض الاسئله حول موضوع حلقه هذا اليوم، اذن لنستمع الى قصه اليوم بعد الفاصل الموسيقي.
عماد، رب لأسرة تتكون من زوجة وأربعة أولاد، لم يستطع أن يتطور في عمله. فكان كلما يسعى الى ذلك، تبوء محاولاته بالفشل، أو مثلما يقول البعض إن الحظ لم يحالفه. فظل هكذا حتى بدأ يرى بعينيه أنه أصبح عاجزاً عن توفير كل متطلبات الأبناء، وكذلك الزوجة. بصريح العبارة، فقد باتت حالته المعيشية، هو وأسرته، صعبة جداً، وأخذت معاناة الأولاد بالذات تتفاقم بسبب عدم تمكن أبيهم من توفير وشراء كل ما يحتاجونه في حياتهم العامة.
اضطر عماد أن يمنع أكبر أولاده البالغ من العمر إثنتا عشرة سنة من الذهاب الى المدرسة، ليأخذ بيده بعد ذلك الى أحد أصحاب المحال التجارية ليعمل عنده مقابل راتب أسبوعي، كان هذا الراتب قد خفف تقريباً فيما بعد، من العبء الذي طالما تحمله عماد لوحده.
مرت الأيام كما مرت الشهور، ونوفل الابن الأكبر لعماد، يذهب يومياً صباحاً الى عمله ولايعود إلا مساءً، وحين العودة، كان يرى إخوته منهمكين في إعداد دروسهم وواجباتهم المدرسية. كان يتذكر كيف كانت أيامه هو أيضاً حين كان طالباً. ولكن ما كان أحد من إخوته أو أمه أو أبيه يشعر به، لما بدأت معاناته أو حسرته تولد له حالة من الكراهية والحقد لمن حوله، فاضطر ودون إدراك منه، أن يعيش كما يحلو له، ويتصرف مثلما يرغب.
تعوّد نوفل على هذا الحال، وأصبح شيئاً فشيئاً يتأخر عن العودة الى البيت، وإذا سأله أبوه أو أمه عن سبب التأخير، كان يبرر تأخره بمنتهى البساطة ويستطيع أن يخرج من ورطته. نعم، لأن نوفل وبكل أسف وقع في ورطة مع بعض أصدقاء السوء الذين اعتاد على مصاحبتهم والخروج معهم، وأحياناً التجول معهم في أركان المدينة دون حسيب أو رقيب.
في يوم كان نوفل عائداً بعد منتصف الليل، وكان يظن أن أباه نائم، لكنه مجرد أن فتح الباب ليدخل حتى اكتشف أن أباه بانتظاره. تفاجأ كثيراً نوفل وارتبك، ولم يكن يعرف بماذا يجيب والده الذي سأله: أين كنت يا ولدي؟ أجاب نوفل: كنت مع بعض أصدقائي نتجول في أركان المدينة. أعاد أبوه عليه نفس السؤال وقال: أين كنت يا ولدي؟ تلعثم نوفل وشعر بأن هذه المرة سوف لن ينجو منها. ولما تأخر في الجواب. حاول أن يتدارك أمره، لكنه نسي أنه لازال صغيراً بنظر والده ولايمكن له أن يخدعه. ردد أبوه نفس السؤال وقال له: إذا لم تعترف وتقول الحقيقة فسوف تنال عقابك الصارم مني. حاول نوفل أن يتفادى الأمر، لكنه لم يفلح في ذلك. وعندها أمسكه أبوه من يده قائلاً له: من أين لك هذه الساعة؟ قال نوفل: اشتريتها. سأله أبوه: وبكم اشتريتها؟ لم يخطر على بال نوفل سعر مناسب في حينها، حتى يوهم أباه، لأنها كانت ثمينة. فتوقف قليلاً عن الجواب. فسأله أبوه سؤالاً آخر: بكم اشتريت هذه الملابس؟ سكت نوفل أيضاً، وقال: هه، لاأتذكر. سأله أبوه سؤالاً آخر وقال له: وما هذا الذي في جيبك؟ قال نوفل: إنها نقودي. قال له أبوه: ممكن أن تقول لي كم تمتلك؟ وهنا خرّ نوفل ساقطاً على الأرض يتوسل بأبيه.
أيها الأفاضل، كان والد نوفل يراقب ابنه جيداً، حين اكتشف أنه ينفق بطريقة أكثر مما يتقاضاه اسبوعياً من صاحب العمل. لذلك انتظره في تلك الليلة حتى يمسك به ويجعله يعترف، خوفاً عليه وحرصاً منه. نعم، فقد تبين للأب أن ابنه كان يسرق من صاحب المحل التجاري الذي يعمل فيه. وهذا طبعاً جاء نتيجة أصدقاءه الذين خدعوه ووضعوه في هذه الورطة.
مستمعينا الكرام، بعد أن تعرفنا على قصة الأب عماد وابنه نوفل، واكتشفنا حجم المأساة التي حلت بالأسرة، حين عرفوا أن ابنهم قد أصبح لصاً ويأتي بالمال الحرام الى البيت، تفاقمت المشكلة وندم الأب كثيراً على فعلته التي أوقعته وأوقعت إبنه في هذه المصيبة.
أعزائنا المستمعين، استضفنا سماحة «الشيخ عقيل زين الدين» الباحث الاسلامي من لبنان و سألناه: من هو المسؤول عن انحراف نوفل ولجوئه الى ممارسة السرقة؟ هل هو الأب أم الأم، أم الظروف الاقتصادية التي ساءت في بيت عماد والد نوفل؟ أم ماذا؟ وبماذا ينصح الشرع هنا. وكيف علينا تطبيق مبادئ الاسلام تجاه أولادنا؟ فاجاب مشكورا:
زين الدين: اعوذ بالله من شر الشيطان الرجيم اللعين بفضل بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على افضل الخلق والمرسلين هادينا وطبيب ارواحنا ونفوسنا وقلوبنا وشفيعنا ومخلصنا ابي القاسم محمد وعلى ال بيته الطيبين الطاهرين
"ولكم في رسول الله اسوة حسنة" عندما جاء صلى الله عليه واله بالاسلام وكما قال "انما بعثت لأتمم مكارم الاخلاق" والجزء الاساسي من مكارم الاخلاق والنشوء على الاخلاق الحسنة الحميدة الربانية التي يرضاها الله هو التربية منذ الصغر، الشجرة المثمرة هي التي شمذها وسمدها صاحبها وقطع عنها المتسلقات كلها وكل شيء زائد فيها لتبقى قويمة منتصبة تعطي ثماراً صالحة وينزع ويبعد عنها الحشرات ويزودها بالمبيدات التي تضر بها لتبقى ناضرة تسر الناظرين وتنشأة الولد الصالح هو كالشجرة تماماً فكلما احسن تنشأته وتسميده وتطعيمه وتهذيبه بالاخلاق الصالحة الحميدة ينشأ كالشجرة المثمرة المستقيمة يعطي ثماراً طيبة مباركة كما شاءها الله وشاءها رسول الله ليشكل لاحقاً ولداً صالحاً جيداً صامداً لبناء الاسلام الكوني واذ ما ترك الحبل على غاربه كما قال رسول الله صلى الله عليه واله "لاعبه سبعاً وادبه سبعاً وعلمه سبعاً ثم اترك الحبل على غاربه" اذ ما احسنا على نهج رسول الله اولاً ان نلاعبه وان نعطيه في صغره ما يحتاج لتنشأته لكي لايكون معقداً، كي يكون منفتحاً، كي لايكون في بيئة مغلقة، بيئة مؤذية، بيئة منحرفة فأن اعطيناه حقه في صغره ثم لقناه وادبناه عندما بدأ يحس بالوعي وعلمناه وسكبنا له من تعاليم الاسلام والنهج القويم وعلمناه الطريقة المثلى الصالحة لكي يكون قوياً في بناء الاسلام هذا قد امنا عليه ولكن اذا حشوناه بالعقد منذ صغره وتركناه منذ صغره، نترك له حبله على غاربه من دون تنشأة، اذا كان رب البيت للطبل ضارباً، لم يكن رب البيت اهل وصاحب ثقافة وصاحب نورانية ليسكبها على طفله فهذا جاء به الى الحياة وبالاً، سوء حظ في هذا الطفل ولكن اذا كان الوالدان الام والاب تمكنا ان يتحليان بالتربية الصالحة القويمة يؤثران على طفلهما ليكون انساناً صالحاً في مجتمعه ولكن اذا كانت هذه المسئلة تنقص الام والاب وكانا قد انتهيا في امور الحياة ومشاغل الحياة ولم يعطيا الوقت الكافي لتنشأة الطفل الذي هو امانة، اذا عتبرنا ان هذا الطفل الذي انجبناه وجئنا به الى هذه الدنيا امانة وعملنا على تأهيله ويكون انساناً صالحاً في المستقبل وان نضمن مستقبله وان نضمن اخرته فنكون قد ادينا الامانة.
بعد أن استمعنا أعزاءنا الكرام الى ما قاله سماحة الشيخ عقيل زين الدين، نتوجه الآن الى الاستاذة زهرة الساعدي من العراق حيث سألناها: ما الدوافع الحقيقة التي دفعت بنوفل لأن يمارس السرقة، وعلى من نلقي باللائمة، على الأسرة؟ أم على الجهات الرسمية المختصة؟ أم على من؟
الساعدي: بسم الله الرحمن الرحيم طبعاً تدفع الحالة المادية لبعض العوائل الى ان يخرج ابناءهم الى العمل وفي مثل هذه الحالة بالذات ان الاب مازال على قيد الحياة لكن يبدو لسبب او لأخر لم يستطع ان يحقق كل متطلبات العائلة والحقيقة ظرف دقيق لابد من الاحاطة الكاملة، ان كان هذا الاب العاجز عن تلبية الحاجات قد اجبر ولده الاكبر مثلاً على ان يخرج ويترك الدراسة فلعل هذا الفتى في نفسه امال وطموحات خاصة وان باقي افراد عائلته مازالوا يواصلون دراستهم ولكنه اجبر على ان يترك الدراسة، لماذا اجبر؟ ليأتي بالمال فيبدو ان الفكرة الدافعة في الاساس والتي لايستطع اهل هذا الطفل ان يولدوها بطريقة صحيحة فلو كان وازع ديني قوي داخل الاسرة فعملية خروج الولد الى العمل لابأس بها وكذلك الضغط المادي مقبول اسلامياً على ان يخرج افراد الاسرة الى العمل لكن يبدو ان هذا الفتى خرج للعمل بدافع المال دون وازع ديني قوي يحفزه على حفظ الامانات فالنتيجة في وعيه الباطني انه ماخرج من البيت وحرم من اماله وطموحاته الا لأجل المادة وليس هناك وازع ديني يمنعه من ان يحصل عليه بأي طريقة والنتيجة بالتأكيد ستكون السرقة واخشى ان يحدث في هذه الاسرة ما هو اكبر ولكن مادامت الاسرة قد اكتشفت الامر فعليها ان تتدارك والحمد لله ان الاسرة وحدها قد علمت بهذا الامر فلو ان رب العمل قد علم واخبر الشرطة فتكون العائلة في عواقب وخيمة. الحقيقة المستوى المعاشي المنخفض هو سبب المشاكل في معظم الاسر والمجتمعات العربية.
أعزاءنا الكرام نشكر الاستاذه زهرة الساعدي على ما تفضلت به و بهذا نكون قد وصلنا الى نهاية حلقة اليوم من برنامج «من الواقع»، الذي قدمناه لكم من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران. الى حلقات أخرى قادمة، نستودعكم الله والى اللقاء.