ولهذا اليوم عاطفة وشعور في قلب كل مسلم ومسلمة، فبعد هذا اليوم بنحو 40 عامًا تنزل على النبي محمد صلى الله عليه وسلم الوحي وعم الإسلام أراضي البلاد يومًا بعد يوم ولا يزال يتمدد إلى يومنا هذا.
المولد النبوي الشريف مناسبة عظيمة مقدسة لدى كافة الدول الإسلامية والجاليات بالدول الغربية، فتعم الاحتفالات بإحياء الشعائر الدينية والسنة النبوية، فتحتفل البلاد العربية بإقامة ليلة دينية في مثل هذا اليوم من العام، وتمتلئ الشوارع بحلوى المولد النبوي التي تعد من العادات الثابتة في هذه المناسبة لدى جميع الأسر وخاصة في أم الدنيا مصر.
خلاف مذهبي يتصاعد كل عام فيبلغ حدته مع المناسبات الإسلامية العامة بين شيوخ التيار السلفي والذين يصفهم البعض بالمتشددين، وبين علماء الازهر الشريف والصوفية، ومن هذه المناسبات الاحتفال بالمولد النبوي الشريف حيث اعتاد المصريون والعديد من الدول العربية والإسلامية على شراء حلوى المولد في يوم ذكرى ميلاد النبي محمد صلى الله عليه وسلم، بيد أن هذه العادات لم يتركها شيوخ التيارات المختلفة دون إضفاء حكم شرعي يبدأ بالتحريم لدى السلفية وينتهي بالحل لدى علماء الأزهر ودار الإفتاء المصرية.
فتاوى تحريم هذه الاحتفالات تشغل حيز من اهتمامات الرأي العام وإن صح فقل حالة من الإثارة والبلبلة تؤرق على بعض العوام فرحتهم بهذا اليوم.
السلفيون
الدعوة السلفية على لسان الدكتور ياسر برهامي نائب رئيس الدعوة، أفتت بحرمة الاحتفال بالمولد النبوي من خلال أكل الحلوى أواللحوم أو الصيام، حيث قال برهامي،:” إن التوسعة من الاحتفال بمولد النبي محمد صلى الله عليه وسلم أمر محدث، وليس من باب محبة النبي لأن محبة الرسول باتباع سنته وأما أكل الحلوى واللحوم فهذا ليس من حب الرسول صلى الله عليه وسلم”.
وأضاف برهامي،:” مولد النبي في 12 ربيع الأول هو بدعة ونحن نحتفل بمولد النبي كل أسبوع بصيام يوم الاثنين وإذا كان ليس من عادة الشخص صيام يوم الاثنين فلا يصومه إذا وافق اليوم المبتدع في 12 ربيع الأول، الذي هو مخترع من قبل الدولة الفاطمية للاحتفال بمولد النبي فيما خلت كتب الإسلام ودواوينه من الاحتفال بهذا اليوم سوى المتأخرين بعد ان استقرت هذه البدعة وعجز أهل البدع ان يأتوا بدليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم ولد في الـ 12 من ربيع الأول وأقصى ما ثبت في مولده أنه ولد في عام الفيل”.
وأردف نائب رئيس الدعوة السلفية،:”لا يوجد حديث صحيح يدل أن النبي صلى الله عليه وسلم ولد في 12 ربيع الأول، وتخصيص العروسة والحصان والطبل والزمر التي يفعله الصوفيون هي بدع ليس لها دليل من السنة النبوية كما انه لا يجوز اقامة احتفال ديني بهذا اليوم أو إقامة خطب دينية يوم الاثنين ولايجوز تحويله لعيد سنوي وهو ليس عيد وإنما شكر لله بمولد النبي محمد صلى الله عليه وسلم”.
الصحابة والنبي
الشيخ سامح عبد الحميد الداعية السلفى، وافق برهامي الرأي مفتيًا بتحريم الاحتفال بالمولد النبوى الشريف، قائلًا:” هذه الاحتفالات بدعة مُنكرة والصحابة كانوا يعشقون النبي محمد صلى الله عليه وسلم ورغم ذلك لم يحتفلوا بيوم مولده، كما ان النبي ذاته لم يحتفل بيوم مولده لأنه يعلم ان هذه الاحتفالات لا يحبها الله عز وجل”.
وأوضح الداعية السلفي،:” كتب السنة اختلفت حول تحديد يوم ميلاد النبي محمد صلى الله عليه وسلم فقال البعض إنه يوم الاثنين لليلتين خلتا من ربيع الأول، أو اليوم الثامن من ربيع الأول، أو اليوم العاشر من ربيع الأول، أو اليوم الثاني عشر من ربيع الأول، فيما قال الزبير بن بكار إن النبي صلى الله عليه وسلم ولد فى رمضان”.
الفطر والأضحى
الشيخ محمود لطفى عامر، الداعية السلفى، انتقد الاحتفالات التي تقام للمولد النبوي، وخاصة التي تقيمها الطرق الصوفية المختلفة، قائلًا:” هذه الاحتفالات باطلة، وهي أفعال ما أنزل الله بها من سلطان، وتخالف صحيح الدين، حيث يزعم البعض أن هذا الاحتفال هو عيد للمولد النبوي وهو أمر مردود عليه بان الأعياد من شعائر الإسلام ولا شعيرة إلا بنص”.
وتابع،:” لا عيد ولا احتفال باسم الإسلام إلا فى عيدين اثنين لا ثالث لهما هما عيد الفطر وعيد الأضحى، وأي احتفال أو عيد تحت اسم الدين غير الفطر والأضحى هو من قبيل البدع المنكرة والجهالات التى وفدت للأمة الإسلامية من أهل الكتاب والأمم الكافرة”.
واستشهد عامر، في بيان له، بعدة أحاديث عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم، قائلًا:” قال النبي صلى الله عليه وسلم” وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة وإن كل بدعة ضلالة “، والاحتفال بالمولد من المحدثات، وقال أيضًا “من أحدث فى أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد”، فمن ادعى أعيادًا للمسلمين غير الفطر والأضحى فقد كذّب قول الله تعالى “اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتى ورضيت لكم الإسلام دينا”.
علماء الأزهر
الشيخ محمد متولى الشعراوي أحد أكابر علماء الأزهر الشريف، تحدث في مقطع متداول له عن الاحتفال بالمولد النبوي، قائلًا،:” ما أكثر ما احتفل المسلمون بهذه الموالد، وما أقَلْ ما انتفع المسلمون بها ، ولو أن كُل ميلاد لرسول الله يُستقبل بإحياء شعيرة من شعائر دينه، لَثَبَتَ دينُه فى الآفاق، ولكن يبدو أننا نكتفى من الحفاوة بالمناسبة بما يتفق أيضاً مع شهوات نفوسنا وخلاص شهية عام، ولذيذ حلوى، وجمال سهرة، ودين الله بعيد عن كل هذه الحفاوات”.
ليس محرمًا
الدكتور أحمد كريمة، أستاذ الفقة المقارن بجامعة الأزهر، قال،:” إن الاحتفال بالمولد النبوى الشريف من خلال شراء الحلوى وذكر الله لا يعد من المحرمات، الجهلاء بالعلم فقط هم من يحرمون هذه الاحتفالات حيث يفتون بغير علم ولذلك فإن حسابهم عند الله سيكون عظيمًا، كما أنه لا يجرؤ أحد من علماء الدين على تحريمها، فهذه الاحتفالات من الأشياء الطيبة ولا مانع لها”.
وأضاف كريمة، في تصريح خاص،:” نرد بقول الله تعالى،:«قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق»، والاحتفال بالمولد النبوي الشريف هو من قبيل العادات المتوارثة وليس العبادات، ولا يأثم من يحتفلون بهذا اليوم او يحملون ذنوبًا لان الاحتفال يأتي لإدخال الفرحة على بيوت المسليمن والابتهاج لهذه الذكرى الطيبة وهو أمر لا مانع منه حيث أتي بهذا الاحتفال إلى مصر الفاطميين كتعبير عن حبهم للنابي صلى الله عليه وسلم وهو أمر لا شيئ فيه”.
الإفتاء والفتاوى الشاذة
مرصد الفتاوى الشاذة والتكفيرية، التابع لدار الإفتاء، أكد أن الاحتفال بذكرى مولد النبى صلى الله عليه وسلم جائز شرعاً، وأنه من أفضل الأعمال وأعظم القربات، لأنه تعبير عن الفرح ومحبة النبي التي هي أصل من أصول الإيمان، حيث قال صلى الله عليه وسلم:” لا يؤمن أحدكم حتى أكون احب إليه من والده وولده والناس أجمعين”.
وأضاف المرصد في بيان له، إنه رصد فتوى للشيخ سعيد عبدالعظيم، أحد قيادات الدعوة السلفية، يحرِّم فيها الاحتفال بالمولد النبوى الشريف، باعتباره من البدع والضلالات، قائلاً:” إنَّ عمل المولد محدَثٌ لم يقع فى عهد الصَّحابة -رضى الله عنهم- ولا الَّذين يلونهم ولا الَّذين يلونهم، فانخرمت القرونُ الفاضلة ولم يقع فيها الاحتفالُ بميلاد النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، وإذا عُلِم أنَّه محدَثٌ فهو بدعة، وكلُّ بدعة ضلالة كما صحَّت بذلك الأخبارُ عن النَبى»، مشيراً إلى أن العلماء اختلفوا فى تحديد يوم ميلاد النبى، حيث ذكر أن بعضهم قال إنه ولد فى رجب وليس فى ربيع الأول، وهذا أدل على حرمة الاحتفال بميلاده هذه الأيام”.
المرصد، رد على هذه الفتوى، في بيانه قائلًا،:” إن جماهير العلماء سلفاً وخلفاً منذ القرن الرابع الهجرى أجمعوا عَلى مَشروعية الاحتفال بالمولد النبوى بل ألَّف فى استحباب ذلك جماعةٌ من العلماء والفقهاء، وبَيَّنوا بالأدلة الصحيحة استحبابَ هذا العَمل، بحيث لا يبقى لمن له عقلٌ وفهم وفكر سليم إنكار ما سلكه سلفنا الصالح من الاحتفال بذكرى المولد النبوى، فقد كانوا يقومون بإحياء ليلة المولد بشتى أنواع القربات من إطعام الطعام، وتلاوة القرآن، والأذكار، وإنشاد الأشعار والمدائح فى رسول الله، كما نص على ذلك غيرُ واحد من المؤرخين مثل الحافظَين ابن الجوزى وابن كثير، والحافظ ابن دِحية الأندلسى، والحافظ ابن حجر، وخاتمة الحفاظ جلال الدين السيوطى رحمهم الله تعالى”.
ولفت المرصد، إلى أن الاحتفال بمولد الرسول هو من قبيل الاحتفاء به، والاحتفاءُ به أمرٌ مقطوع بمشروعيته؛ لأنه أصل الأصول ودعامته الأولى، فقد علم الله سبحانه وتعالى قدر نبيه، فَعَرَّفَ الوجودَ بأسره، وباسمه وبمَبعثه وبمقامه وبمكانته، فالكونُ كله فى سرور دائم وفرحٍ مُطلق بنور الله، وفَرَجِه ونِعمته على العالمين وحجَّته، والسنة النبوية ذكرت الكثير من الأدلة على أن الصحابة الكرام كانوا يحتفلون بالنبى مع إقراره لذلك وإذنه فيه، فعن بُرَيْدَةَ الأسلمى رضى الله عنه قال: خرج رسول الله فى بعض مغازيه، فلمَّا انصرف جاءت جاريةٌ سوداءُ فقالت: يا رسول الله، إنِّى كنت قد نذرت إنْ ردَّكَ الله سالماً أن أضربَ بينَ يَديْكَ بالدَفِّ وأتغنَّى، فقال لها رسول الله: “إن كنت نَذرت فاضربى، وإلا فَلا “.
وأشار مرصد الفتاوى الشاذة، إلى أن النبى كان يحتفل بميلاده الشريف، وسنَّ لنا بنفسه الشريفة الشكرَ لله تعالى على ميلاده الشريف، فقد صحَّ عنه أنه كان يصوم يوم الاثنين ويقول: “ذلك يومٌ ولدتُ فيه” رواه مسلم من حديث أبى قتادة رضى الله عنه، فهو شكر منه عليه الصلاة والسلام على منة الله تعالى عليه وعلى الأمة بذاته الشريفة”.
الاجتهاد