نص الحديث
قال الامام الباقر عليه السلام: "ما من شيء الا وله جزاء الا الدمعة، فان الله يكفّر بها بحور الخطايا".
دلالة الحديث
الحديث المتقدم لايحتاج الى التوضيح، انه من الوضوح بمكان كبير، الا انه يتطلب تاملا طويلا من حيث تعبيره عن سعة رحمة الله، وهذا ما نبدا بتوضيحه الان.
من حيث الدلالة كما اشرنا لانحتاج الى القاء الاضائة عليها بقدر ما نعتزم الاشارة الى مصطلح الدمعة من حيث سياقها. اي: الدمعة والمناسبة التي تقترن بذلك، وهذا ما نعرفه جميعا، الا وهو ان الخوف من الله تعالى يقترن بنزول الدمعة بيد ان نزولها يتم من خلال اكثر من موقف، من ذلك مثلا: الخوف من العقاب، ومن الاحساس بعظمة الله تعالى، ومنها: مشاهدة احباء الله تعالى كأهل البيت عليهم السلام، حيث كان الباقر (ع) وهو صاحب الحديث جالسا مع اصحابه ذات يوم فقال لهم ما مؤداه: "هل يحب احدكم ان يرى واحدا من اصحاب الجنة" ، فالتفتوا فاذا بشخص ورد على الامام (ع)، وما ان شاهده حتى بكى، اي: نزلت الدمعة، وهذا يعني ان نزول الدمعة يقرب بجملة مناسبات وهي جميعا تعبير عن الاحساس بعظمة الله تعالى وما يترتب على هذا الاحساس من تصورات ترتبط بالموضوع. والان نتجه الى بلاغة الحديث، بعد ان انتهينا الى ان الخوف من الله تعالى او الشوق اليه يقترن في المقام الاول بنزول الدمعة.
بلاغة الحديث
لقد شبه الحديث نزول الدمعة بالبحور، وليس بالبحر فحسب، اي: اذا قدر لنا ان نتخيل ما في الارض من البحور لامكننا ان نتامل قطرات هذه البحور وليس عددها، بصفة ان البحر الواحد ينطوي على ما يصعب احصاؤه من القطرات، ومع ملاحظة ان الحديث يشير الى ان جزاء الدمعة هو: التكفير عن الذنوب بقدر البحور لامكننا ان نقدر مدى اهمية اثار نزول الدمعة، وكما نعلم جميعا ان المعصوم عليه السلام لايستخدم الكلمات التي تنطوي على الامتناع،حينئذ ندرك بركة نزول الدمع وان الانسان مهما بلغت ذنوبه اذا وفق للبكاء من خشية الله تعالى، حينئذ فان الله يغفر له ذنوبه حتى لو كانت بعدد ما في البحور من المياه.
ولعل السر الكامن وراء عظمة بركات نزول الدمع، يكمن في طبيعة في عملية الخوف من الله تعالى وما يواكبه من مواقف اشرنا اليها، وهي: ان الخوف اساساً: تعبير عن التسليم بعظمة الله تعالى، وبعدالته ومن ثم: فان هذا النمط من الخوف يجسد بلا ادنى شك تعبيرا عن الوحدانية او التوحيد بصورته الجلية. اذن امكننا ان نتبين الصورة التشبيهية او الاستعارية التي ترمز بواسطة عبارة (البحور) الى كثرة الذنوب، بالاضافة الى كون هذه الصورة تعبيرا واقعيا وليس تخيليا كالتشبيه المالوف.
ختاماً: نسأله تعالى ان يوفقنا الى الخوف منه تعالى، وان يوفقنا الى ممارسة الطاعة، انه سميع مجيب.