البث المباشر

عابس بن ابي شيب الشاكري

الإثنين 21 أكتوبر 2019 - 11:24 بتوقيت طهران
عابس بن ابي شيب الشاكري

إذاعة طهران- كوكبة الفتح المبين: الحلقة 37

الحمد لله، وأسمى الصلاة على المصطفى حبيب الله، وعلى آله امناء الله. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ان الهمة العالية عُرفت في الشباب، تأخذ بهم الى مراقي الاعمال الكبيرة والمواقف الخطيرة، وترتفع بهم الى الجهاد الصعب، أما أن تكون في الصبيان والنساء والشيوخ، فذلك فضل ينتسب الى الايمان الصادق بالله تعالى، والولاء الراسخ لآل الله (عليهم السلام) من الانبياء والمرسلين، والائمة الهداة الميامين، صلوات الله عليهم أجمعين.
في (تفسير العياشي): عن سليمان بن جعفر الهمداني قال:
قال لي جعفر بن محمد (اي الصادق) عليه السلام: يا سليمان من الفتى؟
قلت له: جُعلت فداك، الفتى عندنا الشاب.
قال لي: (أما علمت أن اصحاب الكهف كانوا ملهم كهولاً فسماهم الله فتية بإيمانهم! يا سليمان، من آمن بالله واتقى، فهو الفتى).
وندخل الى كربلاء فنرى جمعاً من أصحاب الامام الحسين عليه السلام كهولاً في اعمارهم، لكن كانت حالاتهم من الهمّة والعبادة تخبر انهم فتية شبان يافعون. فذلك حبيب ابن مظاهر الاسدي، برز الى القتال كأنه الاسد الغضنفر يموج بسيفه وسط جموع الاعداء فيقتل منهم عشرات، حتى اغتيل شهيداً، وذاك شوذب شيخ كبير قاتل بشيبته الكريمة دون سيد الشهداء فلم يرض لنفسه إلا ان تُقتل دون امام زمانه، فوقع شهيداً.
وكان رضوان الله عليه مولى لشاكر بن عبد الله الهمداني الشاكري، ويحسب في عرب الجنوب، وكان من رجال الشيعة ووجوهها ومن المخاصين، كما كانت داره مألف الشيعة وملاقاهم، يتحدثون فيها حول فضائل اهل البيت عليهم السلام.
قال المحليّ في (الحدائق الوردية): كان شوذب يجلس للشيعة فيأتونه للحديث، وكان وجهاً فيهم. أجل، والى ذك، فقد كان شوذب من الفرسان المعدودين، ومن الثوار المتحمسين، وكان حافظاً للحديث حاملاً له عن أمير المؤمنين، علي عليه الصلاة والسلام.
مما نفع شوذباً صحبته لعابس بن ابي شبيب الشاكري مولاه، حيث رافقه من الكوفة الى مكة، وذلك بعد قدوم مسلم بن عقيل رضوان الله عليه الى الكوفة وكان عابس موفداً في ذلك بكتاب من مسلم الى ابي عبد الله الحسين (عليه السلام) عن اهل الكوفة، فبقي شوذب مع عابس حتى قدما معاً الى كربلاء ملتحقين بركب سيد شباب اهل الجنة صلوات الله عليه.
وكان يوم عاشوراء والتحم المعسكران في قتال شديد، حينها التفت عابس الشاكري الى شوذب فدعاه ليستخبره عما في نفسه، قال له: يا شوذب، وما في نفسك ان تصنع؟
أجابه شوذب بتعجب واستغراب: ما أصنع؟ أقاتل معك حتى أٌقتل.
ابتهج عابس فقال له: ذلك الظن بك يا شوذب، تقدم بين يدي ابي عبد الله الحسين حتى يحتسبك كما احتسب غيرك من أصحابه، وحتى احتسبك أنا، فإن هذا يوم ينبغي لنا أن نطلب فيه الاجر بكل ما نقدر عليه؛ فإنه لا عمل بعد اليوم، وإنما هو الحساب.
فتقدم شوذب فسلم على الامام الحسين قائلاً: السلام عليك يا ابا عبد الله، ورحمة الله وبركاته، استودعك الله.
ثم مضى شوذب فقاتل ولم يرجع حتى تلقته ارض كربلاء شهيداً، وتلقته رحمة من الله مرضياً مبروراً، ملتحقاً ببُردة الشهادة والشرف الرفيع.
واطمأن عابس على صاحبه شوذب، إذ سبقه الى حيث يُحب الله ورسوله، فأقبل الامام الحسين عليه السلام يقف أمامه ليقول له: يا ابا عبد الله، اما والله ما أمسى على وجه الارض قريب ولا بعيد أعزّ ولا أحبّ إلي منك، ولو قدرت على ان أدفع عنك الضيم او القتل بشيء أعزّ علي من نفسي ودمي لفعلت. السلام عليك يا ابا عبد الله، أشهد أني على هداك وهدى ابيك.
ثم مضى عابس الشاكري نحو الاعداء مصلتاً سيفه فهابوه، وفرّوا من بين يديه، ولك يطلق الموقف ذاك حتى القى درعه وسلاحه، فقيل له: يا عابس، أجننت؟!
قال: بلى، حبُّ الحسين أجنني!
وما زال يقدم عليهم، وهم يتحاشونه إذ هابتهم شجاعته وغضبه لله، ولآل الله، حتى تعطفوا عليه بالحجارة يرضخونه، وقد قاتل حتى استشهد رضوان الله عليه.
وهكذا كان اصحاب الحسين (صلوات الله عليه)، يتقدمون الى المنية بهمم عالية ترتقي الى القتال حتى الشهادة دون امامهم، وقد طابت ان تكون نفوسهم ضحايا متواضعة تُبذل عند اعتاب الامام الحسين سلام الله عليه، حيث يصور الشاعر حاله وحالهم، فيقول:

كأني به في ثلة من رجاله

كما حُفّ بالليث الاسود الحواردُ

إذا اعتقلوا سمر الرماح وجرَّدوا

سيوفاً اعارتها البطون الاساود

فليس لها الا الصدور مراكز

وليس لها الا النحور مغامد

يُلاقون شدّات الكماة بأنفسٍ

إذا غضبت هانت عليها الشدائد

الى أن ثووا في الترب صرعى كأنهم

نخيل أمالتهن أيدٍ عواضد

اولئك أرباب الحفاظ سمت بهم

الى الغاية القصوى النفوس المواجد

فسلام من الله عزوجل على اولئك الشهداء الابرار، وسلام الامام المهدي عليهم ايضاً ما توالى الليل والنهار، حيث يقول في زيارته الشريفة لهم.
السلام على عابس بن ابي شيب الشاكري، السلام على شوذب مولى شاكر، السلام عليكم يا خير انصار، سَلامٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ ، بوّأكم الله مُبوَّأ الابرار.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة