وصاحبة ٌ... بذلوا النفوس لنصره
لم تثنهم يوم الوغى اهواله
قلوا... ولكن كل فرد منهم
جيش لهام في الكفاح تخاله
من كل ماض قد تقلد مثله
عزت على طلابه امثاله
مستقبل حد الصوارم والقنا
بالنحر منه فحبذا استقباله
غمر الندى... فرد الصفات جليلها
كرمت خلائقه وطبن خصاله
ما ان يساجله الغمام... ولا ارى
للبحر يوما يستطاع سجاله
هجروا لنصر الدين كل محبب
والموت لذ لهم هناك وصاله
حتى قضوا بشبا السيوف ظوارميا
والنقع جرت فوقهم اذياله
ممن نال السعادة الكبرى بشهادته بين يدي سيد الشهداء ابي عبد الله الحسين صلوات الله عليه؛ رجل اسمه حنظلة الشبامي، فمن يكون؟ وكيف وفق ذلك التوفيق الاعلى؟
قالوا: هو حنظلة بن اسعد بن شبام... الهمداني، الشبامي. وبنو شبام بطن من همدان من القحطانية عرب الجنوب (اليمن)، وهمدان قبيلة معروفة بولائها.. ووفائها.. ومواقفها. اما حنظلة بن اسعد، فقد كان وجها من وجوه الشيعة في الكوفة، ذا فصاحة وبلاغة، وكان رجلا شجاعا، وقارئا للقران، ولفضله ارسله الامام الحسين عليه السلام ايام الهدنة الى عمر بن سعد بالمكاتبة، فلما رحل ابو عبد الله الحسين سلام الله عليه الى كربلاء، التحق حنظلة بالركب الحسيني ـ الشريف؛ يريد نصرة سيد شباب اهل الجنة، امامه الحسين بن علي صلوات الله عليه.
وجاء يوم عاشوراء من محرم عام واحد وستين من الهجرة، وقد حلت ظهيرة ذلك اليوم الرهيب، وقد فرغ الامام الحسين عليه السلام من صلاته المباركة، فقال لاصحابه: يا كرام، هذه الجنة قد فتحت ابوابها، واتصلت انهارها، واينعت ثمارها.. وهذا رسول الله، والشهداء الذين قتلوا في سبيل الله، يتوقعون قدومكم، ويتباشرون بكم، فحاموا عن دين الله ودين نبيه، وذبوا عن حرم الرسول.
ولما سمع الاصحاب هذا الكلام من سيد شباب اهل الجنة قالوا له: نفوسنا لنفسك الفداء، ودمائنا لدمك الوقاء... فو الله لا يصل اليك والى حرمك سوء وفينا عرق يضرب.
وفي رواية ابي مخنف ان الاصحاب لما سمعوا حديث الامام الحسين عليه السلام ضجوا بالبكاء والنحيب، وقالوا: نفوسنا دون انفسكم، ودماؤنا دون دمائكم، وارواحنا لكم الفداء.
والله لا يصل اليكم احد بمكروه وفينا الحياة، وقد وهبنا للسيوف نفوسنا، وللطير ابداننا، فلعله نقيكم زحف الصفوف، ونشرب دونكم الحتوف.
في كل مرة يبادر الامام الحسين عليه السلام الى نصيحة القوم وتبيان الحق لهم، وتحذيرهم مما هم قادمون عليه، وفي كل مرة يبادر عمر بن سعد الى اشعال فتيل الحرب والقتال حتى ارسل عمر بن سعد في جماعة من الرماة فرموا اصحاب الحسين وعقروا خيولهم، اي عوقوها عن الكرّ برشقها بالسهام، آل ان استشهد الفرسان من الاصحاب فلم يبق مع الحسين الا الضحاك بن عبد الله المشرفي، الذي قال: رايت خيل اصحابنا تعقر، فأقبلت بفرسي وادخلتها فسطاطا لاصحابنا.
واقتتلوا اشد القتال، وكان كل واحد من الاصحاب يريد الخروج، يودع الامام الحسين عليه السلام بقوله: السلام عليك يا ابن رسول الله.
فيجيبه الحسين: وعليك السلام، ونحن خلفك.
ثم يقرأ قوله تعالى: «فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً» (الاحزاب، 33).
وخرج الاصحاب واحد بعد آخر، يبارزون، فيستشهدون... فبرز أبو ثمامة الصائدي، وزهير بن القين، وسلمان بن مضارب البجلي ّ، وعمرو بن قرظة الانصاري، ونافع بن هلال الجملي، وواضح التركي، واسلم مولى الحسين عليه السلام، وبرير بن خضير... الى ان جاء حنظلة بن اسعد الشبامي، فبرز... فماذا عمل؟!
برز حنظلة الشبامي فاستأذن الامام الحسين عليه السلام، وتقدم بين يديه، ووقف يقيه السهام والرماح والسيوف بوجهه ونحره، ثم اخذ حنظلة ـ هذا الرجل الشهم ـ ينادي في عسكر ابن سعد:
يا قوم اني اخاف عليكم مثل يوم الاحزاب، مثل دأب نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم، وما الله يريد ظلما للعباد.. ويا قوم اني اخاف عليكم يوم التناد.. يوم توولون مدبرين ما لكم من الله من عاصم، ومن يظلل الله فما له من هاد.. يا قوم لاتقتلوا حسينا فيسحتكم الله بعذاب، وقد خاب من افترى!
فجزاه الحسين عليه السلام خيرا وقال له: رجمك الله، يا ابن اسعد قد استوجبوا العذاب حين ردوا عليك ما دعوتهم اليه من الحق، ونهضوا اليك ليستبيحوك واصحابك، فكيف بهم الان وقد قتلوا اخوانك الصالحين!
فقال حنظلة: صدقت ـ جعلت فداك ـ يا ابن رسول الله، افلا نروح الى الاخرة؟!
وفي رواية اخرى انه قال: افلا نروح الى ربنا، ونلحق باخواننا؟!
فاذن له الحسين عليه السلام قائلا له: ـ رُحْ الى ما هو خير لك من الدنيا وما فيها، والى ملك لا يبلى فقال حنظلة مناديا في ساحة المعركة:- السلام عليك يا ابا عبد الله، السلام عليك يا ابن رسول الله، صلى الله عليك وعلى اهل بيتك، وجمع بيننا وبينك في الجنة.
فأجابه الحسين عليه السلام بقوله: امين.. امين.
ثم تقدم حنظلة بن اسعد الشبامي الى ساحة المنازلة والقتال مصلتا ً سيفه، يضرب في الاعداء قدماً، يقاتل قتال الابطال، ويصبر على احتمال الاهوال، حتى حملوا عليه ـ وهم عشرات ـ فتعطفوا عليه فقتلوه، رضوان الله عليه.
فسلام عليك ايها الشهيد البار، منا ومن جميع المؤمنين، وقبل ذلك من الامام الحجة المهدي المنتظر ارواحنا له الفداء، حيث توجه اليك ـ يا حنظلة بن اسعد ـ في زيارته للشهداء، ووجه عنايته الشريفة المباركة نحوك، فقال سلام الله عليه: "السلام على حنظلة بن اسعد الشامي".