السلام على الحسين وعلى عليّ بن الحسين وعلى اولاد الحسين وعلى اصحاب الحسين.
الايمان الحقيقي ما لم ينحصر في عبارات اللسان، بل هو ما يؤثر في الجنان، وما يدعو الى طاعة الرحمان، ويبلغ بصاحبه الى رحاب الجنان.
وقد ثبت لاصحاب الحسين عليهم السلام أنهم كانوا حقا أهل ايمان صادق، وهدي راسخ... إذ قَدِموا يؤازرون إمامهم طاعة ً لله جلّ وعلا، ويقدّمون انفسهم بين يديه ضحايا قرابين في نصرته، وفداءً في سبيله وغايته. ولم يكتفوا بالخطب وعرض ولائهم لحجة الحق سيد شباب اهل الجنة، بل كان منهم الاقدام والنصرة حتى قضوا نحبهم شهداء مُجزَّرين ضحايا.. على صعيد المنايا، وكان منهم بُرير بن خُضير، رضوان الله عليه، فما بُرير هذا؟
بُرير بن خُضير، الهمداني، تابعيُّ عُرف بلقب "سيد القُرّاء".
كان شيخا ناكسا تالياً لكتاب الله تعالى، وله في الناس شرف وقدر ومنزلة. وذُكر في كتب الرجال انه كان عابدا ً، زاهدا ً وكان أقرأ اهل زمانه، يُعلم ّ الناس تلاوة القرآن الكريم، كما كان من العباد الصالحين، وكان شجاعا ً جليلا ً من أشراف الكوفة، ورجلا ً صادقا ً ثابتا ً علىالحق، فأثمرت خصاله الطيبة تلك عن مواقف سامية، منها:
قوله للامام الحسين عليه السلام في ساعة ٍ عصيبة: والله يا ابن رسول الله، لقد مَنّ الله بك علينا أن نقاتل بين يديك، تُقطَّع فيك اعضاؤنا، ثم يكون جدُّك شفيعنا يوم القيامة.
وقد اختاره الامام الحسين عليه السلام أن يكلم عسكر عمر بن سعد فيعِظهم، ويلقي عليهم المزيد من الحجج الواضحة، فتقدّم بُرير ينادي بالقوم: يا قوم اتقوا الله، فإنّ ثِقل محمد ٍ اصبح بين أظهركم، هؤلاء ذريته وعترته، وبناته وحُرمه، فهاتوا ما عندكم، ومالذي تريدون ان تصنعوه بهم؟!
ثم قال لهم: ويلكم يا اهل الكوفة! أنسيتم كتبكم وعهودكم التي أعطيتموها، وأشهدتم الله عليها؟! يا ويلكم! أدعوتم أهل بيت نبيكم وزعمتم انكم تقتلون انفسكم دونهم، حتى اذا اتوكم اسلمتوهم الى ابن زياد، وحلأتموهم من ماء الفرات؟! بئسما خلفتم نبيكم في ذريته! مالكم! لا سقاكم الله يوم القيامة، فبئس القوم انتم!
فقال له نفر منهم: يا هذا، ما ندري ما تقول!
فأجابهم: الحمد لله الذي زادني فيكم بصيرة، اللهم اني أبرأ اليك من فِعال هؤلاء القوم، اللهم ألق بأسهم بينهم حتى يلقوك وأنت عليهم غضبان!
ولم يتمّ بُرير دعاءه هذا حتى جعل القوم رشقونه بالسهام... فأخذ برير يرجع القهقرى ووقف بإزاء سيده الامام الحسين عليه السلام.
وفي كل موقف وكلمة، كان برير بن خُضير ٍ يُعبرّ عن ثباته وإخلاصه ووفائه، وعن يقينه وبصيرته، وولائه لآل رسول الله وبرائته من أعدائهم..
كتب الشيخ المفيد: قال الضحاك بن عبد الله: ومرَّت بنا خيل لابن سعد تحرسنا وإنّ حسينا ً ليقرأ: «وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِّأَنفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُواْ إِثْمًا وَلَهُمُ عَذَابٌ مُّهِينٌ، مَّا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىَ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ»، فسمعها من تلك الخيل رجل يقال له "عبد الله بن سُمير" وكان مضحاكا ً، كما كان شجاعا فارسا فاتكا، فقال: نحن - وربِّ - الطيبون، مُيِّزنا بكم. فقام له برير تنهض به غيرته فقال له: يا فاسق! أنت يجعلك الله مع الطيبين؟!
قال ابن سُمير له: من انت ويلك!
قال: أنا بُرير بن الخُضير.
فتجادلا، فأنتصر بريرلأهل البيت يقول بأنهم هم الطيبون حقاً.
نعم والله، هم الطيبون الذين طابوا فطابت الدنيا بهم، وطاب موالوهم، وطابت الارض التي حلوا بها، وطابت الارواح التي فدتهم وطافت حول قبورهم، ومنها روح بُرير بن خُضير:
أبناءُ صِدق ٍ عاقدت اسيافها
بالطف أن تلقى الكُماة لقاءها
لقلوبها امتحن الاله بموقف ٍ
محضته فيها صبرها وبلاءها
من حيث جعجعت المنايا ركبها
وطوائف الآجال طِفْن إزاءها
ووفت بما عقدت فزوّجت الطلى
بالمرهفات، وطلقت حوباءها