أعينيّ إلّا تبكيا لمصيبتي
فكلّ عيون الناس عنّي أصبر
أعينيّ جودا من دموع غزيرة
فقد حقّ إشفاقي وما كنت أحذر
بكيت لفقد الأكرمين تتابعوا
لوصل المنايا دارعون وحسّر
من الأكرمين البيض من آل هاشم
لهم سلف من واضح المجد يذكر
مصابيح أمثال الأهلّة إذ هم
لدى الجود أو دفع الكريهة أبصر
وفي كلّ حيّ نضحة من دمائنا
بني هاشم يعلو سناها و يشهر
فللّه محيانا، وكان مماتنا
ولله قتلانا تدان و تنشر
لكلّ دم مولي، ومولى دمائنا
بمرتقب يعلو عليكم ويظهر
فسوف يرى أعداؤنا حين نلتقي
لأيّ الفريقين النبيّ المطهّر
بسم الله الرحمن الرحيم
تحية لكم مستمعينا الكرام في كل مكان، السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
اجتمعت في قلوب أعداء الإسلام جفاء الجاهلية وجلفها، مع عقدة الحقد والكراهية للدين والشرائع والآداب والنّظم، فتعاملوا مع رسول الله -صلى الله عليه وآله- بالغلظة ولم يقبلوا منه حكمةً ولا إرشاداً إلى خير أو فضيلة، فعفا عنهم وعاودهم النّصح فأبوا ورفضوا كلّ حقّ، فعاودهم التحذير فأصرّوا وحاربوه حتّى أخرجوه من موطنه مكّة، ثمّ تابعوه في سلسلة معارك يتطاولون على رسالته وعلى شخصه الطاهر. وجرى على وصيه أمير المؤمنين عليّ -عليه السلام- ما كان جرى عليه، من هتك حرمة داره، وسلبه حقّه الإلهيّ المنصوص، وعزله عن الناس، وإعلان الحرب عليه في وقائع عديدة، وذلك انتقاماً جاهلياً من الإسلام في شخص النبيّ سابقاً، وفي شخص الوصيّ لاحقاً!
وهكذا تتتابع سلسلة الأحداث، متوجّهة من قبل رموز الجاهلية الأخرى وقد تظاهرت بالإسلام، تشنّ على أهل البيت حربين ظالمتين: الأولي: بالسيف والسمّ، قتلاً للأبدان، والثانية: بالألسن والأيدي، هتكاً للحرمات. فكان من أعداء الله التهديد والقتال، والحوارات المتطاولة المتجاسرة، والغدر وسوء المواجهة بالألسن الحاقدة البذيئة...
وقد دوّن التاريخ ذلك في أخبار موثّقة وفيرة، أدان بها عتاة بني أمية وآل مروان وأزلامهم وأذنابهم... لم يرقبوا في مؤمن إلّا ولا ذمّة، ولم يعرفوا – كما لم يعترفوا – لرسول الله أيّ حرمة... وذي صفحات التاريخ بين يدينا، فلنطالع بعض أسطرها...
والآن أحبتي نستمع الى السيد جعفر فضل الله الاستاذ في الحوزة العلمية من بيروت وهو يجيبنا عن سؤال عرضناها عليه وهو: ما هي أبرز القيم الإلهية والإنسانية التي نقضها اليزيديون باقدامهم على حرق الخيام وترويع النساء والأطفال من عيالات سبط المصطفى الإمام الحسين -عليه السلام -وصحبه الأبرار، وقد أجمعت مصادر التأريخ الإسلامي على إرتكاب عتاة بني أمية لهذه الجريمة، نستمع معاً للإجابة في الإتصال الهاتفي التالي:
فضل الله: بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين وأصحابه المنتجبين وجميع الأنبياء والمرسلين كربلاء إنطلقت على أساس أن ترجع المجتمع الاسلامي الى رشده الاسلامي بعدما إنحرف عن الواقع بعيداً فلم ذلك الواقع مجرد صدى للتنكر للأحكام الشرعية في مسئلة الصلاة والصيام والتي ربما كان المجتمع كله او كثير منه يمارسه حتى الذين أتوا لقتال الحسين عليه السلام ولكنه حاول أن يعيد كل تلك المعالم وكل تلك العبادات الى أصالتها الاسلامية حتى تكون الصلاة للإنسان حاجزاً للفحشاء والمنكر كما قال الله تعالى "إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر" وحتى يكون الصوم حركة في خط التقوى التي يتحرك فيها الانسان في الحياة حيث لايجده الله حيث نهاه ولايفقده الله حيث أمره وغيرها من هذه الأمور. المشكلة الأساس التي برزت في ذلك المجتمع أنه تحول كلياً حتى عن الجانب الانساني ليس فقط عن الجانب الشرعي بل إنما حتى انسانيته تبدلت وأصبحت انسانية مشوهة لأن الانسان سلم زمامه المطلق للشيطان فمن الطبيع الانسان لايجوز له شرعاً أن يعتدي على الآخرين لابالقتل ولابالنهب ولابالسلب ولابالأذى ولا بالترويع وما الى ذلك، هذا حكم شرعي لكننا اليوم نتحدث عما هو أبعد من ذلك. حتى الانسانية التي ربما تتحرك فيها العاطفة وتعبر عن نفسها بالشكل الذي يعبر عن الانسان ويحجزه عن يمارس بعض ألوان الظلم، حتى الحياء الذي يعيشه الانسان في الواقع الاجتماعي فيكف عن القيام عن بعض الأمور في المجتمع لأنه يستحي من الناس أن يروه على هذه الحالة حتى المجتمع الذي أتى لقتال الحسين عليه السلام وهو جزء من المجتمع الكبير الذي ربما يعيش هذا السبات الانساني وهذه الوحشية التي انطلقت لتعبر عن نفسها بطريقة غير طبيعية وغير سوية، كل ذلك إنحرف بالمجتمع بعيداً بما جعل من السهل عليه أن يقتل إبن بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهم يعلمون كما قال لهم الحسين عليه السلام بأنه ليس على وجه الأرض إبن بنت نبي غيره وهكذا إنطلقوا ليحصلوا بعد ذلك على متع الدنيا الزائفة، يحصلون على ما تملكه النساء من حلي وما الى ذلك كما تنقله بعض الروايات حتى اننا لو رجعنا قليلاً الى كربلاء لرأينا بأن الامام الحسين عليه السلام كان يريد أن يلبس ثوباً ليس للناس فيه حاجة كي لايبقى مجرداً من اللباس لأنه كان يعرف أن هؤلاء سيسلبونه كل شيء. هذه الوحشية وهذا البعد عن الانسانية هذا يمكن أن نشاهده ونخبره في كل زمان ومكان، اليوم عندما يقف الانسان ولايهتز له وجدان ولا ضمير عندما يشاهد الأطفال يقتلون او النهب والسلب لثروات الأمة وشعوبها، كل هذا الواقع الذي ينم عن جشع وعن طمع وعن حالة من التوحش الانساني اذا صح التعبير، كل هذا يمكن أن نشاهده في كل زمان ومكان وبالتالي علينا أن نرجع الى هذا التاريخ فيجب علينا أن ننظر الى الحاضر لنرفض مايجري بنفس المنهج وبنفس القيم السلبية وبنفس القيم والأساليب ولكن من خلال وسائل اخرى ومظاهر اخرى نجدها تتحرك على المستوى المحلي داخل البلد او داخل المنطقة او داخل العالم اليوم بأسره، علينا أن ننطلق من كربلاء لنستلهم من قيمها ونحركها في واقعنا وأن نحرك الانسانية من خلال كربلاء وأن ننطلق ايضاً لنعي كل تلك القيم السلبية التي يوحي بها الشيطان وأعوانه وجنوده لكي نأخذ منها العبرة لواقعنا حتى اذا رأينا مظاهرها في الحاضر فإننا لانقف موقف اولئك الذين يجلسون على التل ليروا كل ما حولهم من مصائب وويلات ونهب للثروات وقتل للأنفس وإفساد في الأرض ونقف ونقول الجلوس على التل أسلم كما صنع البعض في كربلاء وقبل كربلاء وبعد كربلاء. علينا أن نستلهم من كربلاء الكثير من الدروس والكثير من العبر لكن أن نطبق هذه القيم المستفادة على واقعنا المعاصر لأن فيه الكثير من اليزيديين وفيه الكثير من الحسينيين في هذا العصر. إن هناك قيماً في التاريخ تتحرك اليوم وهي قيم الاسلام وعلينا أن نعود الى هذه القيم وعلينا أن نحرك الخير والصلاح في واقعنا كما تحرك الحسين عليه السلام ضد كل اولئك اليزيديين الذين إنطلقوا لتهمهم الدنيا ليركنوا اليها وليركنوا الى الظالمين والمفسدين والمنحرفين.
ما زلنا نتواصل مع حضراتكم من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران وبرنامج فاجعة الطف وحرمات الله.
شكرا لفضيلة السيد جعفر فضل الله الاستاذ في الحوزة العلمية من بيروت على التوضيحات التي اوضحها للبرنامج.
نعود الى برنامجنا مستمعينا «فنذكر مجموعة من الشواهد التاريخية على تمادي عتاة بني أمية على هتك حرمة الإمام الحسين –عليه السلام–، رغم أنه عميد أهل بيت النبوة في عصره وسيد شباب أهل السنة بأجماع المسلمين... .
في كتاب (الفتوح) لابن أعثم، و(مقتل الحسين عليه السلام) للخوارزمي الحنفيّ، و(مثير الأحزان) لابن نما... أنّ يزيد بن معاوية كتب إلى واليه على المدينة يأمره أن يأخذ البيعة على أهل المدينة عامّة، وعلى الحسين خاصّة ، وقال له في كتابه: إن أبى عليك فاضرب عنقه! هكذا يتجاسر هذا الفاسق اللئيم على حرمة الكريم، فلمّا رفض أبو عبدالله الحسين صلوت الله عليه عرض الوليد بن عتبة، قال مروان بن الحكم طريد رسول الله للوليد: إحبس الرجل، ولايخرج من عندك حتى يبايع أو تضرب عنقه! فيكرر هذا المنافق الخبيث دعوة سيده سليل الرذائل، فما كان من الحسين الأبيّ إلّا أن وثب فنادى بمروان: «ويلي عليك يا ابن الزرقاء! أنت تأمر بضرب عنقي؟! كذبت ولؤمت. نحن أهل بيت النبوّة ومعدن الرسالة، ويزيد فاسق شارب الخمر وقاتل النفس، ومثلي لايبايع مثله».
* وفي (الكامل في التاريخ) كتب ابن الأثير الجزريّ، أنّ القوم – يوم عاشوراء، أقبلوا يزحفون نحو الحسين، وكان فيهم عبدالله بن حوزة التميميّ، فصاح: أفيكم حسين؟ فأجابه أصحاب الحسين: هذا الحسين، فما تريد منه؟! فقال، بلغة الأجلاف وسوء أدب الجاهليين: يا حسين أبشر بالنار! فأجابه سيد شباب أهل الجنّة: "كذبت، بل أقدم على ربّ غفور كريم، مطاع شفيع ، فمن أنت؟!"، قال: أنا ابن حوزة.
فرفع الحسين عليه السلام يديه حتّى بان بياض إبطيه وقال: "اللهمّ حزه إلى النار!" قال ابن الأثير متمّماً خبره: فغضب ابن حوزة وأقحم الفرس إليه، وكان بينهما نهر، فسقط عنها وعلقت قدمه بالركاب، و جالت به الفرس وانقطعت قدمه وساقه وفخذه، وبقي جانبه الآخر معلّقاً بالركاب، وأخذت الفرس تضرب به كلّ حجر وشجر، وألقته في النار المشتعلة في الخندق، فاحترق بها وهلك.
وكتب مستمعينا الخوارزميّ في (مقتل الحسين): فخرّ الحسين ساجداً شاكراً حامداً على إجابة دعائه، ثمّ إنّه رفع صوته يقول: "اللهمّ إنّا أهل بيت نبيك، وذريته وقرابته، فاقصم من ظلمنا، وغصبنا حقّنا، إنّك سميع قريب".
فقال له محمّد بن الأشعث متجاسراً متناكراً متغالظاً: أيّ قرابة بينك وبين محمّد؟! فتوجه أبوعبد الله -عليه السلام- إلى الله، جلّ وعلا، قائلاً:
"اللهم إنّ محمّد بن الأشعث يقول ليس بيني وبين محمّد قرابة، اللهمّ أرني فيه هذا اليوم ذلّا عاجلاً". قال الراوي: فاستجاب الله دعاءه، فخرج محمّد بن الأشعث من العسكر ونزل عن فرسه لحاجته، وإذا بعقرب أسود يضربه ضربة تركته متلوّثاً (بنجاسته) في ثيابه ممّا به، ومات بادي العورة ذليلاً.
وفي تتمّة الخبر، ذكر ابن الأثير أنّ مسروق بن وائل الحضرميّ قال: كنت في أوّل الخيل التي تقدّمت لحرب الحسين، لعلّي أصيب رأس الحسين، فأحظى به عند عبيد الله بن زياد، فلمّا رأيت ما صنع بابن حوزة، عرفت أنّ لأهل هذا البيت حرمة ومنزلة عند الله، فتركت الناس وقلت: لا أقاتلهم فأكون في النار!
ومن جسارات القوم – أيها الإخوة الأعزّة - ما ثبّته الخوارزميّ الحنفيّ في (مقتل الحسين عليه السلام) أنّ أبا عبد الله سلام الله عليه طلب خلال القتال ظهر يوم عاشوراء عند الزوال أن يكفّ القوم عن المبارزة حتّى يصلّي، فنادى الحصين بن نمير، المنافق الضالّ من جهة عسكر ابن سعد: إنّها لاتقبل!
فما كان من حبيب بن مظاهر ذلك الغيور إلّا أن أجابه: زعمت أنّها لاتقبل من آل الرسول، وتقبل منك يا حمار! فحمل عليه الحصين، فضرب حبيب وجه فرس الحصين فشبّت به، ووقع الحصين عنه، إلّا أنّ أصحابه حملوه مخذولاً، ثمّ قاتلهم حبيب – على كبر سنّه – قتالاً شديداً فقتل منهم عشرات ثمّ استشهد رضوان الله عليه.
مستمعينا وفي (مناقب آل أبي طالب) روى ابن شهرآشوب أنّ الحسين -سلام الله عليه- في مواقفه الأخيرة من القتال منفرداً، حوصر من كلّ جانب، وهنا صرخ عمر بن سعد بجمع أوباشه يحشّهم على الجريمة العظمى بأسلوب جاهليّ لئيم:
"هذا ابن الأنزع البطين، هذا ابن قتّال العرب، إحملوا عليه من كلّ جانب!". قال الراوي: فأتته -عليه السلام- آلاف نبلة! وحال المجرمون بينه وبين رحله وقدموا على ما يخلّدهم في أشدّ عذاب الجحيم، لحقدهم على أحبّة الكريم.. روى الشيخ القندوزيّ الحنفيّ في(ينابيع المودّة) أنّ الحسين دنا من القوم فسألهم: "يا ويلكم!أتقتلوني على سنّة بدّلتها؟! أم على شريعة غيرتها؟! أم على جرم فعلته، أم على حقّ تركته؟!" فأجابوه عن فم جاهليّ يثأر لزعماء الشرك، قالوا له: إنّا نقتلك بغضاً لأبيك. فلمّا سمع كلامهم حمل عليهم، فقاتلهم حتى قتلوه مظلوما.
أيها الإخوة والأخوات!
ويتّضح مما تقدم أن ملحمة الطف الفجيعة قد كشفت للمسلمين جميعاً والى يوم القيامة أن عتاة بني أمية ومن يمثّل منهجهم في كل عصر لايتورعون عن إنتهاك أبسط القيم الإنسانية والحرمات الإلهية من أجل تحقيق مطامعهم هذا أولاً، وثانياً فإن قلوبهم قد إمتلأت في الواقع من الحقد الإبليسي على أهل بيت النبوة –عليهم السلام– فهم يسعون الى الإنتقام منهم ومن شيعتهم وإن إستلزم الأمر هتك أعظم الحرمات الإلهية.
أحبتي وبهذا وصلنا وإياكم الى نهاية هذه الحلقة التي جاءتكم من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران.
تقبل الله أعمالكم شكرا لكم دائماً.