بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله ولي النعماء، وازكى الصلوات على سيد الانبياء وعلى آله الائمة الامناء. اخوتنا واعزتنا المؤمنين الاكارم، السلام عليكم ورحمه الله وبركاته، واهلا بكم في لقاء اخر، وعودة الى قوله تعالى: "وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ{۱۰} أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ{۱۱} " (سورة الواقعة)، حيث استعرضنا الروايات الواردة في ظل هذه الاية المباركة، تفسيرا او بياناً او رأيًا، ما يوحي بالاتفاق والاجماع على انها نازلة في علي عليه السلام، اذ كان سابق هذه الامة كما عبر الصحابي ابن عباس، سبق اليى رسول الله صلى الله عليه واله ايمانا بالله، واعتقادا برسالة الله، وتصديقا لرسول الله، لم يسبقه الى ذلك احد، كما لم يفقه في الفضائل احد. حتى روى الطبري في الجزء الثالث من تاريخه باسناده عن محمد بن المنكدر، وربيعة بن ابي عبد الرحمن وابي حازم المدني، والكلبي انهم قالوا مجمعين: عليّ اول من اسلم. وفي (مسند ابي حنيفة) قال حبة العرني: سمعت عليا رضي الله عنه يقول: (أنا اول من اسلم وصلى مع رسول الله صلى الله عليه واله وسلم)، اجل، هكذا قالها بعد ان ظلم وغصب حقه، ودفع عن مقامه وازيل عن مرتبته التي عينها الله تعالى له، قالها فلم يكن هنالك معترض او منكر، فهو السباق الى الاسلام وفيه نزلت الاية "وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ "حتى ان الكشفي الترمذي، وهو حنفي المذهب، اخرج في كتابه (المناقب) عن ابن عباس قوله: سألت رسول الله عن هذه الاية من هم فقال صلى الله عليه واله: "هم علي وشيعته، فانهم السابقون المقربون الى الله، وهم في جنات النعيم"، اجل كان امير المؤمنين عليه السلام الاسبق الى رسول الله، فيكون شيعة علي هم الاسبق الى الجنة، وقضية سبق اسلام الامام علي سلام الله عليه غيره، بحثت في مناظرات وفصول، حتى قال الذهبي وهو مخالف لمذهب اهل البيت في كتابه (تاريخ الاسلام): وقد ثبت عن ابن عباس انه قال: اول من اسلم علي. واخرج نحواً منه: ابو داود الطيالسي في مسنده، والترمذي في سننه، والدينوري المعروف بابن قتيبه في (المعارف)، والمزّي في (تهذيب الكمال)، وغيرهم كثير. ومن ظريف ما كتبه الخوارزمي وهو حنفي المذهب في مؤلفه المشهور (المناقب)، تحت الرقم ۲٦۰ يقول: "وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ"قيل: هم الذين صلوا الى القبلتين، وقيل: السابقون الى الطاعة، وقيل: الى الهجرة، وقيل: الى الاسلام واجابة الرسول. ثم قال الخوارزمي بعد هذه الاقوال: وكل ذلك موجود في امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام.
اجل، على كل الموازين الدينية الرفيعة، ومقاييس الفضائل الشريفة، يكون الامام سلام الله عليه هو الاسبق والاول، والاولى والافضل، والاتم والاكمل، واوضح دليل قرآني على ذلك اتفاق المفسرين على انه المعني بكلمة (وانفسنا) في آية المباهلة، فهو نفس رسول الله، ورسول الله هو الاول والافضل والاكمل، صلى الله عليه وآله، فنفسه تكون نفسه، كذا الاول والافضل والاكمل، سبق الى الدين غيره، حتي اشتهر ذلك فقال خزيمة بن ثابت:
أليس اول من صلى لقبلتهم
واعلم الناس بالقرآن والسنن
وقال شاعر بعد شهادته عليه السلام:
قل لابن ملجم والاقدار غالبة
هدمت ويلك للاسلام اركانا!
قتلت افضل من يمشي على قدم
واول الناس اسلاما وايمانا
واذا اتضح ايها الاخوة الاحبة اجماع العلماء والفضلاء والمنصفين ان امير المؤمنين عليا عليه السلام هو المقصود بالسابقين في الاية الشريفة، او على اقل الفروض انه المصداق الاتم الاكمل للسابقين، الذين كانوا ممن ينتظر حتى اشتشهدوا ولم يبدلوا تبديلا، بقي ان نمعن العقل في ما يستفاد من تفسير الاية المباركة، نتبين ذلك من خلال الاراء النيرة، والافكار المنصفة، فنقرأ مثلا، للحافظ ابن البيع قوله في (معرفة اصول الحديث): لا اعلم خلافا بين اصحاب التواريخ ان علي بن ابي طالب هو اول الناس اسلاما وانما اختلف في بلوغه، فاقول: هذا طعن منهم على رسول الله صلى الله عليه وآله اذ كان قد دعاه الى الاسلام وقبل منه، وهو بزعمهم غير مقبول منه ولا واجب عليه، بل ايمانه في صغره هو من فضائله، وكان بمنزله عيسى عليه السلام، وهو ابن ساعة يقول في المهد "قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً"(سورة مريم۳۰)، وبمنزلة يحيى عليه السلام: "يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيّاً "(سورة مريم۱۲) ونقرأ للشيخ المظفر في (دلائل الصدق) قوله: روى الزمخشري في سورة يس عن رسول الله صلى الله عليه واله قوله: (سبّاق الامم ثلاثه، لم يكفروا بالله طرفه عين: علي بن ابي طالب، وصاحب ياسين، ومؤمن آل فرعون)، والروايه دالة على فضل آخر لامير المؤمنين عليه السلام على غيره من الصحابة، وهو انه عليه السلام لم يكفر بالله طرفة عين مع صغر سنه ونشأته بين عبدة الاصنام، فيكون احق بالامامة ممن عبدها في كثير من عمره، لقصور عقله، ووفور جهله! ونقرأ ايها الاخوة الافاضل، لابن البطريق قوله في كتابه (خصائص الوحي المبين ): اذا كان علي سابق هذه الامة الى الايمان بالله وبرسوله فقد عدم نظيره، واذا عدم نظيره في طاعة الله وطاعة رسوله فقد وجب الاقتداء به واتباعه. وفي لفظه الذكر العزيز من الاشارة والتنبيه ما يدل على وجوب الاقتداء به دون غيره، بدليل قوله سبحانه وتعالى: "وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ{۱۰} أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ{۱۱}". وفي هذا من الحث على اتباعه ما لا يخفى على ذي بصيرة من ان اتباع المقرّب عند الله تعالى وعند رسوله صلى الله عليه وآله هو ألزم.
ونقرأ اخيراً ايها الاخوة الاعزة، استدلالا آخر هو للعلامة الحلي اورده بعنوان: البرهان الثلاثون في كتابه (منهاج الكرامة في معرفة الامامة) قائلا: ولم يحصل لغير علي عليه السلام من الصحابة هذه الفضيله (اي فضيلة السبق)، فيكون هو الامام.