قال شيخ الأنصارالحسينين وعميدهم الناصح الصادق حبيب بن مظاهرالأسدي وهو يرتجز مخاطباً عساكر بني أمية مشيراً الى الحسين _عليه السلام_:
إني أرى يوماً عظيم المنكر
يذكر حتى البعث يوم المحشر
يا ويلكم، أما علمتم أنه
سبط الرسول الطاهرالمطهر
يا ويلكم كاتبتم إمامكم
ثم غدرتم بئس ذا من معشر
يا ويلكم كفرتم بربكم
حين بدلتم بيزيد الأخسر
يا ويلكم من النبي المصطفى
تبا لكم من فعل هذا المنكر
وقال رضوان الله عليه مخاطباً عساكر الجهل والنفاق:
أنا حبيبٌ وأبي مظهّر
فارس هيجاءٍ وليث قسور
وأنتم عند الوفاء أغدر
لنحن أزكى منكم وأطهر
ونحن أوفى منكم وأصبر
ونحن أعلى حجة وأظهر
الموت عندي عسلٌ وسكر
أضربكم ولا أخاف المحذر
عن الحسين ذي الفخار الأطهر
أنصر خير الناس حين يذكر
بسم الله الرحمان الرّحيم إخوتنا وأعزتنا المؤمنين الأكارم...السّلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وتحياتُه... لقد شعّ نور الإسلام على يد المصطفى صلّى الله عليه وآله فغير حياة الناس، حيث دخل جميع شؤونهم: في مجالات العقيدة والفكر، الفرد والأسرة والمجتمع،الأخلاق والأدب، حتّى لم يكن يتصوّر البعض أنّ الإسلام له في الشّعر والشعراء رأي، فإذا بآية، بل بسورةٍ في مئتين وسبعٍ وعشرين آيةً، إسمها (سورة الشعراء) وقد ختمت بقوله تبارك وتعالى بهذه الآيات الشريفة: "وَالشُّعَرَاء يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ{۲۲٤} أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ{۲۲٥} وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ{۲۲٦} إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيراً وَانتَصَرُوا مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ{۲۲۷}" (سورة الشعراء: ۲۲٤الى۲۲۷) صدق الله العليّ العظيم. فوضعت هذه الآيات الكريمة -أيها الإخوة الأفاضل- موازين دينيةً حكيمةً محكمة في الشعر والشعراء، فهُما مع عدم الإيمان الحقّ والعمل الصالح وذكر الله والانتصار لله شيء، ومع هذه القيم الإلهية شيءٌ آخر. ومن هنا -إخوتنا الأعزّة- تميز شعراء الإسلام وأشعارهم، كما تميز شعراء الكفر والشرك والنفاق وأشعارهم...بل وتميزت تبعاً لذلك حتّى الأرجوزةُ بين الفريقين.
إنّ الأرجوزة العربية -أيها الإخوة الأحبّة- فنٌّ شعريّ كان قبل ظهورالرسالة المحمّدية الطاهرة، أراد به الشاعرالعربيّ، أوالمقاتل العربيّ أن يلهب به حالته النفسية فيرتقي بها إلى الشجاعة الظاهرية، مدّعياً الشجاعة والقوّة والغلبة الأكيدة، وذلك ليسيطر نفسياً على عدوّه عسى أن يتمكن من قتله، فينجو بذلك بنفسه، ثمّ يخلّف لأسرته وقبيلته أو عشيرته تراثاً يفتخرون به، دون النظر إلى قيم الحقّ والعدل والخير والإنسانية والهدف الأخلاقيّ. أمّا الأرجوزةُ الإسلامية -أيها الإخوة- فقد كانت تعرض القيم الإلهية والمبادئَ الدينية، وتظهر الإباء والأنفة والعزّة في وجه الكفر والشرك والظّلمة والمفسدين، وترفض الذُّلَّ والاستسلام، وتتغنّى بالتضحية والشهادة في سبيل الله تبارك وتعالي. وهذا إخوتنا الأماجد فرقٌ كبير، فالأرجوزة الجاهلية لم تكن لتعبّر عن مبدأٍ إنسانيّ، بل يريد بها المحارب تشجيع نفسه بنفسه، آملاً أن ينُجو بذلك من الهلاك بمعاجلة خصمه بالقتل، وإنزال النقمة والموت الأحمر به. ومن هنا يعلم اجتماع حالتين في قلب المرتجز، وهما: الخوف، ونزعةٌ الانتقام...وليستا من الإسلام في شيء، ومن هنا أيضاً يعلم ما للأرجوزة الإسلامية من رفعةٍ ومنزلةٍ سامية، إذ هي تنطقُ بالمبادئ الإلهية الحقّة، وتبدي بصدقٍ حالة الشهامة، والعزّة والكرامة، والافتخاربنصرة دين الله، والشوق إلى الشهادة إذ فيها أشرف حالات اللقاء بالله.
وتلك أراجيزُ عاشوراء تجلّت فيها هذه المعاني النيرة، فيما تهاوت إلى الحضيض أراجيزُ القتلة، وعبّرت عن عُقدهم وأضاليلهم وانحرافاتهم في العقيدة والأخلاق، فبدل أن يؤوبوا إلى الله تعالى بعظيم التوبة على ما جنوا من عظائم الجرائم بحقّ سيد شباب أهل الجنة أبي عبدالله الحسين _عليه السلام_ وأهل بيته وأصحابه، أبدوا تفاخُرهم وتشفّيهم وحقدهم خلال المعركة وبعدها. فهذا الأخوص حين برزلحبيب بن مظاهر الأسديّ، ارتجزيقول:
اليوم وافيتُ لأشفي صدري
من الحسين ثمّ أوفي نذري
بينما سمع حبيب بن مظاهر رضوان الله عليه ينشئُ هذه الأرجوزة وهو يحمل على أصحاب عبيدالله بن زياد:
إنّي أرى يوماً عظيم المنكر
يذكرحتّى البعث يوم المحشر
يا ويلكم! أما علمتم أنّهُ
سبط الرسول الطاهر المطهّر؟!
يا ويلكم كاتبتُم إمامكم
ثمّ غدرتم..بئس ذا من معشر!
من غيره تدعون إذ ناديتُمُ
يا ابنَ البتول الطّهر يا ابن حيدر
يا ويلكم! كفرتُمُ بربّكم
حين بدلتم بيزيد الأخسرِ
يا ويلكم من النبيّ المصطفى
تبّاً لكم من فعل هذا المُنكر!
وكان في أُرجوزته هذه وعظٌ وتذكير، وتنبيهٌ وتحذير، واحتجاجٌ فاخرٌ ملزمٌ سامعيه الحقّ...هو ذاك حبيب الذي برز على كبرَ سنّه يقتل العشرات ثابتاً على ولايته للنبيّ وآله، ومتقدّماً بروح البطولة والبسالة والرجولة، وهو يصدع في آذان القوم بأرجوزته هذه:
أنا حبيبٌ وأبي مظهّر
فارسٌ هيجاءٍ وليثٌ قسور
وفي يميني صارمٌ مذكر
وفيكم نار الجحيم تسعر
أنتم أعدُّ عدّةً وأكثر
ونحنُ في كلِّ الأمور أجدر
وأنتم عند الوفاءِ أغدر
لنحنُ أزكى منكم وأطهر
ونحن أوفى منكم وأصبر
ونحنُ أعلى حجّةً وأظهر
حقّاً وأنقى منكم وأعذر
الموت عندي عسلٌ وسكر
من البقاء بينكم يا خسّر
أضربكمُ ولا أخافُ المحذر
عن الحسين ذي الفخار الأطهر
أنصُرُخير الناسِ حينَ يذكر
وجال حبيب في قتلة الحسين عن قريب يعمل في رؤوسهم سيفه الإيمانيّ مدافعاً عن حريم النبوّة والإمامة، ثمّ انحاز جانباً، وعاد بعدها إلى المعركة ثانيةً يصرُّ على المقاتلة والنزال، وهو يرتجز موّبخاً جحافل النفاق، صارخاً في قتلته عمّا قليل:
أُقسم لوكنّا لكم أعدادا
أو شطركم ولّيتُمُ الأكتادا
يا شرّ قومٍ حسباً وآدا
وشرَّهم قد عُلموا أندادا
ويا أشدَّ معشرٍ عنادا!
أيها الأخوة والأخوات، والآن نثبت أهم القيم الإلهية التي خلدها عميد الأنصار الحسينين حبيب بن مظاهر الأسدي رضوان الله عليه في أراجيزه التي هدر بها يوم عاشوراء: "أولاً: أن من خصال المؤمن أن يهتم بتوجيه النصح الصادق حتى لأعدائِهِ لأن هدفه هو الإحياء حتى في القتال. "ثانياً: ان محاربة إمامة العترة المحمدية الطاهرة هي كفرٌ بالله وبرسولهُ والمنكر الأكبر الذي لا غفران له. "ثالثاً: إن من أهم خصال أهل الإيمان الوفاء لله ورسوله بمودة ونصرة أئمة الهدى المحمديين صلوات الله عليهم أجمعين. مستمعينا الأفاضل وبهذا ينتهي لقاءٌ آخر من برنامج هديرالملاحم قدمناه لكم من إذاعة طهران. في أمان الله.