لا نزال نحدثك عن الادعية المباركة ومنها الدعاء الخاص بقراءته بعد زيارة الجامعة للائمة عليهم السلام ونعني بها الجامعة الكبيرة، وقد حدثناك عن مقاطع متسلسلة منها وانتهينا من ذلك الى مقطع ورد فيه اسألك يارب توبة نصوحاً الى ان يقول: (وتحبب الي الحلال وتفتح لي ابوابه) ثم يقول: (وتثبت نيتي وفعلي عليه).
هذه العبارة الاخيرة أي عبارة (وتثبت نيتي وفعلي عليه)، أي على الحلال هي موضوع حديثنا الان وهذا ما نبدأ به.
العبارة التي نعتزم القاء الاضاءة عليها هي التوسل بالله تعالى بان يثبت نوايانا وافعالنا على ما هو حلال من الممارسات ومع ان هذه العبارة شديدة الوضوح الا انها تحتاج الى وضوح اكثر بسبب انطوائها على جوهر السلوك العبادي المطلوب، كيف ذلك؟
من البين ان ممارسة الطاعة او الوظيفة الملقاة على كواهلنا هي الالتزام بمبادئ الطاعة وفق ما ارادها تعالى ولعل اهم ما في الموضوع هو النية وتسأل لماذا النية وليس الفعل؟
الجواب: ان النية هي المحددة للفعل ولذلك ورد قولهم عليهم السلام الاعمال بالنيات.
ان ممارسات العمل بلا نية يظل عملاً عابثاً كما هو واضح لكن في الآن ذاته ينبغي ان نضع في الاعتبار ان النية لا قيمة لها اذا لم تقترن بعمل صائب وبكلمة اكثر وضوحاً لا قيمة للنية المنفصلة عن العمل بها وفق المطلوب فمثلاً ما قيمة ما ننويه من الاعمال الخيرة اذا لم تكن من اجل الله تعالى؟ أي اذا قدر لك ان تساعد فقيراً وكانت نيتك ان تكسب رضا الناس وليس الله تعالى فهل لنيتك من قيمة عبادية؟ كلا.
اذن النية اساس العمل والعمل بدوره مترتب على النية بالنحو الذي اوضحناه. يبقى ان نجيبك عن سؤال آخر ورد في عبارة الدعاء وهو عبارة وتثبت نيتي أي لماذا التثبيت والاستمرارية في النية والعمل؟ وهل يمكن تصور نية وفعل غير مستمرين او ثابتين؟ هذا ما نوضحه الان.
لقد ورد عن المعصومين عليهم السلام انه من عمل عملاً صالحاً لوجه الله تعالى ثم اشرك غير الله تعالى في رضاه عد مشركاً والسؤال ماذا يعني ذلك؟
الجواب هو: لنفترض انك تصمم على ممارسة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر او تصميم على ارشاد الناس الى الخير وكانت نيتك خالصة لله تعالى فحسب ولكن خلال عملك المذكور اضفت الى نيتك السابقة نية جديدة هي ان تكسب في الآن ذاته سمعة شخصية من وراء عملك المذكور أي يمتدحك الناس على ذلك حينئذ افسدت عملك السابق أي لم تثبت على نيتك الخالصة بل اضفت اليها ما هو غير صالح.
اذن نستخلص مما تقدم ان النية وان كانت صالحة وخالصة لله تعالى لا فائدة فيها اذا لم تصبح ثابتة طوال عملك ولذلك وردت عبارة الدعاء القائلة وتثبت نيتي وفعلي عليه أي على الحلال تحمل نكتة في غاية الاهمية الا وهي الاستمرارية في النية الخالصة وكذلك في الفعل المترتب عليها.
بعد ذلك نواجه عبارة تقول وتغلق ابواب المحن عني، هنا يثار السؤال الآتي هل ان المحن يقصد بها عدم استمرارية النية الخاصة لوجه الله تعالى؟ ان الامر كذلك، ولكن ايضاً العبارة المذكورة تتضمن جملة دلالات نحدثك عنها ان شاء الله تعالى في لقاء لاحق بيد ان الاشارة الى ان اشد المحن على الانسان هي ان يذهب عمل الانسان سدى في حالة ما اذا لم تثبت نية المرء وعمله على ما من اجل الله تعالى فحسب.
نسأله تعالى ان يوفقنا الى الطاعة الحقة والتصاعد بها الى النحو المطلوب.
*******