نواصل حديثنا عن الادعية المباركة ومنها الدعاء الخاص قراءته بعد زيارة الجامعة أي الجامعة الكبيرة وهي ما يطلق عليها دعاء عالي المضامين وقد حدثناك عن مقاطع متسلسلة منها وانتهينا الى مقطع ورد فيه: اسألك يا رب توبة نصوحاً الى ان يقول وتجعل دمعي غزيراً في طاعتك وعبرتي جارية فيما يقربني منك، ان هاتين العبارتين اللتين تتضمنان الاشارة الى الدمعة والى العبرة والى الطاعة والى التقرب الى الله تعالى تحتاجان الى توضيح كبير وهو ما نحاول التوفر عليه الان.
السؤال الاول هو ما الفارق بين عبارة الدمعة وعبارة العبرة؟ اليستا تعنيان الماء النابع من العين نتيجة خوف او شوق؟ الظاهر ان العبرة هي السائل غير الممزوج او المقترن بالبكاء وصوته بينما الدمعة هي الاعم من ذلك بحيث تقترن مع صوت البكاء ايضاً.
وبكلمة اشد وضوحاً ان الشخصية اذا حزنت او فرحت يخرج سائل في عينها دون ان تجهش بالبكاء اما الدمعة فهي تقترن مع البكاء او الاعم من ذلك.
والنكتة هنا هي ان العين اذا سالت العبرة منها او الدمعة بغض النظر عن البكاء وصوته فان التعبير عن توفيق الشخصية وصلاحها وانسانيتها وبعدها عن القسوة هي المظاهر الايجابية للشخصية والعكس هو الصحيح ونستخلص من ذلك بحسب ما ورد من النصوص الشرعية بان الشخصية اذا طبعت القساوة قلبها فان العين منها لا تدمع ولا تخرج العبرة منها والعكس هو صحيح من هنا نسأل الباري تعالى ان يوفقنا الى تحصيل البكاء واسالة الدموع والعبرات خوفاً منه وشوقاً اليه.
والآن بعد ان عرفنا الفارق بين الدمعة وبين العبرة نواجه سؤالاً آخر هو لماذا قرن الدعاء الدمع مقترناً بالطاعة وجعل العبرة مقترنة بالتقرب الى الله تعالى؟ أي عبارة الدعاء تقول: تجعل دمعي غزيراً في طاعتك، وتقول: عبرتي جارية فيما يقربني منك ، والسؤال من جديد لماذا الطاعة تقترن بالدموع أي مشفوعة بالبكاء ولماذا التقرب الى الله تعالى مشفوع بالعبرة الجارية؟
الجواب هو: ان الطاعة هي الخلاصة لسلوك الانسان المطلوب أي الالتزام التام بالمبادئ من حيث العمل بالواجب والمندوب والترك للمحرم وللمكروه ومن ثم تحويل المباح الى مندوب ايضاً، وهذه هي الطاعة بينما التقرب الى الله تعالى هو سلوك تجريبي تحاول الشخصية ان تمارسه للتوفيق الى ممارسة الطاعة بمعنى ان الطاعة هي الوصول الى الهدف بينما التقرب هو المسير الى الهدف يترتب على ما تقدم سؤال ثالث هو لماذا قرن الدعاء الطاعة بالغزير او الكثير من الدمع بينما قرن التقرب الى الله تعالى بجريان العبرة حيث قال الدعاء تجعل دمعي غزيراً في طاعتك، وقال عبرتي جارية فيما يقربني منك؟
الجواب هو: ان الدمع بما انه يقترن بالبكاء فان التعبير عن الحزن او الشوق الى الله تعالى، حينئذ سوف يحصل بغزارة أي بكثرة لان البكاء هو التعبير الاشد عن الحزن او الشوق بينما العبرة وهي السائل غير المشفوع بالبكاء ستكون جارية وليست غزيرة أي انها تجري كما لو جرت قطرة من الماء بينما غزارة الماء هي الجريان الكثير منه.
وهكذا نستخلص النكات المتنوعة من هاتين العبارتين اللتين تتحدثان عن مستوى سلوك الشخصية في تعاملها الايجابي مع الله تعالى حيث انها تندب على ممارسة التقرب الى الله سبحانه وحيث انها توفق الى ممارسة الطاعة في نهاية المطاف.
اذن امكننا ان نتبين جوانب كثيرة في عبارة الدعاء المذكور مما يكشف ذلك عن بلاغة النصوص الشرعية وكثافة دلالاتها وهو ما يقتادنا الى المزيد بالتمسك بمبادئ الطاعة والتصاعد بها الى النحو المطلوب.
*******