وله الحمد والمجد كاشف الضر ومجيب دعوة المضطر مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيم الرحمن الرحيم. وأزكي صلواته الناميات وبركاته المتناميات وتحياته المباركات علي أعلام صراطه المستقيم والهداة إلي نهجه القويم محمد وآله الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين.
السلام عليكم أعزائنا المستمعين، علي بركة الله نلتقيكم في حلقة اليوم من هذا البرنامج نتابع فيها الإستنارة بدعاء المعرفة الجليل الذي أمرنا مولانا الإمام المهدي (عجل الله فرجه) بتلاوته في عصر الغيبة، نتوقف في هذا اللقاء مرة ثانية عند المقطع الذي يدعو فيه المؤمن ربه طالباً تعجيل فرج قائم آل محمد (صلي الله عليه وآله) قائلاً: (أنت يا رب تكشف الضُّرُّ، وتجيب المضطر إذا دعاك، وتنجي مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيم، فاكشف الضُّرّ عن وليك، واجعله خليفتك في أرضك كما ضمنت له، ... يا أرحم الراحمين).
عرفنا في حلقة سابقة - أعزائنا المستمعين - أن الدعاء يعلمنا هنا أن نتوسل إلي الله عزوجل بذكر ثلاثة من أسمائه الحسني التي ترتبط بما نطلبه منه وهو تعجيل فرج مولانا صاحب الزمان (عليه السلام).
وهذه الأسماء الثلاثة هي أعزائنا: كاشف الضُّرّ، ومجيب المضطر، والمنجي مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيم ، وقد ورد ذكرها في القرآن الكريم بشأن أربعة من الأنبياء العظام هم الصابر أيوب والشاكر نوح والكليم موسي وأخوه هارون - علي نبينا وآله وعليهم أفضل الصلاة والسلام -.
فقد كشف عزوجل ضر البلاء الطويل الذي أحاط بأيوب الصابر (عليه السلام)، كما أنقذ نوحاً مِنَ الْكَرْبِ أعراض قومه عن الإستجابة لدعوته بعد طول الأمد وإتمام الحجة عليهم، فأغرق قومه لأنهم كانوا قوم سوء لا أمل بإصلاحهم.
كما أنه تبارك وتعالي أنجا موسي وهارون من ظلم فرعون وحاكميته المطلقة في مصر بعد أن يأس من استجابته وملائه للآيات الكثيرة التي أظهرها الله عزوجل علي يد موسي (عليه السلام) كما حدثنا عن ذلك القرآن الكريم.
أعزائنا المستمعين، بعد التوسل إلي الله عزوجل بأسمائه الثلاثة هذه يعلمنا دعاء المعرفة الجليل أن نطلب من الله عزوجل تعجيل فرج وليه وخليفته المهدي المنتظر (أرواحنا فداه) قائلين: (فاكشف الضُّرّ عن وليك، واجعله خليفتك في أرضك كما ضمنت له)، فما المراد بهذا الطلب؟
للإجابة عن هذا السؤال نشير مرة أخري إلي أن الأسماء الإلهية التي توسلنا بها في بداية الفقرة، فقد عرفنا أن الموارد التي اقتبس الدعاء منها هذا التعبير ترتبط بالأنبياء (عليهم السلام) ونصرة الله عزوجل لهم بكشف ضر طول البلاء وإنقاذهم من كرب استمرار حاكمية الظالمين والطواغيت والمفسدين في الأرض. من هنا يتضح أن الضُّرّ الذي نطلب من الله أن يكشفه عن وليه المهدي لا ينحصر في كشف الضُّرّ الشخصي الذي يتعلق مباشرة بشخصه (عليه السلام)، بل يعني كشف الضر العام والْكَرْبِ الْعَظِيم الذي يعتصر المؤمنين بل والبشرية جمعاء.
وبعبارة أخري فإننا نطلب في واقع الأمر من الله عزوجل أن يكشف عن المؤمنين جميعاً والبشرية جمعاء ضر الأذي المتواصل الذي يوجهه الطواغيت والمفسدين للناس وهذا أشد ما يؤذي قلب إمام العصر (أرواحنا فداه).
كما أننا مستمعينا الأفاضل نطلب من الله تبارك وتعالي أن ينجي في الواقع المؤمنين بل والبشرية جميعاً من كرب مشاهدة استمرار حاكمية طغاة وتيارات فاسدة أمهلهم الله طويلاً فلم يستجيبوا لكلمة الحق وواصلوا علوهم واستكبارهم في الأرض وظلمهم لعباد الله عزوجل، فحالهم في ذلك حال قوم نوح (عليه السلام) وفرعون وملائه، الذين لم يبق الله جل جلاله علي الأرض منهم دياراً فأغرقهم مثلما أغرق فيما بعد فرعون وملائه وجيشه.
أيها الإخوة والأخوات، أما بالنسبة لفقرة: (واجعله خليفتك في أرضك كما ضمنت له)، ففيها إشارة إلي الوعد الإلهي الصادق الوارد في الآية الكريمة ٥٥ من سورة النور المباركة، حيث يقول تبارك وتعالي: «وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ». وقد أثبت المفسرون استناداً إلي منطوق هذه الآية الكريمة نفسها أن هذا الوعد الإلهي الصادق الذي ضمنه الله عزوجل لم يتحقق بعد، وأن المراد به هو ما نصت عليه كثير من الأحاديث الشريفة من أن تحققه يكون عند ظهور الإمام المهدي خليفة الله عزوجل وإقامة دولة أهل البيت (عليهم السلام) الإلهية العالمية العادلة.
انتهي أحبائنا الوقت المخصص لهذه الحلقة من برنامجكم (ينابيع الرحمة) استمعتم لها مشكورين من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في إيران. تقبل الله أعمالكم ودمتم بكل خير.