بسم الله و الْحَمْدُ لِلَّهِ عظيم المن ذي الفضل والاحسان، وأزكى صلواته وتحياته على كنوز رحمته ومعادن حكمته والهادين الى طاعته محمد المصطفى وآله الأطياب الأصفياء.
السلام عليكم أحبتنا وأهلاً بكم في حلقة اليوم من هذا البرنامج نتأمل فيها معاً في عبارات أخرى من المقطع الذي إنتهينا إليه من دعاء المعرفة الذي أمرنا مولانا الإمام المهدي (أرواحنا فداه) بالتقرب الى الله بتلاوته في عصر غيبته (عجل الله تعالى فرجه الشريف) وهذا المقطع هو: (اللهم وأحي بوليك القرآن، وأرنا نوره سَرْمَداً لا ظلمة فيه، وأحي به القلوب الميتة، وإشف به الصدور الوغرة، واجمع به الأهواء المختلفة على الحق، وأقم به الحدود المعطلة والأحكام المهملة، حتى لا يبقى حق إلا ظهر، ولا عدلٌ إلا زهر، يا أرحم الراحمين).
يعلمنا هذا الدعاء الشريف في العبارات الأولى من هذا المقطع أن ندعو الله عزوجل بأن يحي بوليه وخليفته إمام العصر المهدي (عجل الله فرجه) كتابه المجيد أي أن يعجل ظهوره لكي يقيم حاكمية كِتَابِ اللَّهِ في أرضه وعباده، وأن يعيننا (عليه السلام) على الإستنارة الصحيحة بآيات القرآن فنسير بهداه على الصِّرَاط المُستَقِيم.
ثم نطلب من الله تبارك وتعالى أن يعجل في ظهور بقيته الموعود لكي يحي بهداه (عليه السلام) القلوب التي أماتتها ضلالات وجور الأئمة المضلين والطواغيت الجائرين.
ثم نطلب بعد ذلك من الله جل جلاله أن يعجل في ظهوره خليفته المنتظر لكي يشفي به الصدور الوغرة، فما الذي نستلهمه من هذا الطلب؟
لمعرفة الإجابة نرجع أولاً الى كتب اللغة فنراها تقول في معنى (الصدور الوغرة) بأنها الصدور التي إشتد بها الغيظ نتيجة للبغضاء أو الحسد أو الأحقاد أو العداوات والحروب أو معاناتها من الظلم والجور ونظائر ذلك ومعلوم - مستمعينا الأفاضل- أن شفاء أي مرض ودفع أي أذىً يستلزم إزالة العوامل المسببة له، من هنا فإنّ ما نطلبه في الواقع من الله عزوجل في هذه العبارة هو أن يزيل بظهور الإمام المهدي (عجل الله فرجه) العوامل التي أدت الى أن تصبح صدور الناس وغرةً، أي المطلوب هو إزالة الظلم والجور الذي يوغر الصدور بغصص تجرع الظلم، وكذلك إزالة فقدان العدل الذي يؤدي الى ظهور طبقات مرفهة بغير حق وأخرى مسحوقة بغير حق فينتشر الحسد والأحقاد والعداوات، وبالتالي إقامة العدل الشامل لكي تزول كل هذه العوامل المدمرة وهذا ما يحققه الله عزوجل على يد مولانا الإمام المهدي في عصر ظهوره (عجل الله فرجه الشريف) وجعلنا من أعوانه وأنصاره.
أيها الأخوة والأخوات، وعلى ضوء ما تقدم يتضح أننا نطلب ضمنياً من الله عزوجل (وأشف به الصدور الوغرة) التعجيل في ظهور المهدي المنتظر (عجل الله فرجه) لأن التحقق الكامل لهذا المطلب وعلى صعيد المجتمع الإنساني لا يكون إلا في ظل إقامة دولة العدل الإلهي العالمية على يديه (سلام الله عليه).
ولكن ذلك لا ينفي أن يتضمن هذا الدعاء طلب تحقق بعض مصاديقه في عصر الغيبة أيضاً وبما يتناسب مع شروط وأوضاع هذا العصر.
فمثلاً يمكن أن يكون من مصاديق هذا الدعاء في عصر الغيبة أننا نطلب من الله عزوجل أن يزيل الإختلاف والبغضاء بين المؤمنين وأن يطهرهم من مناشئ الحسد الذي يوغر صدور بعضهم على البعض الآخر.
كما أن مصاديقه في جميع العصور والأحوال هو أننا نتوسل الى الله عزوجل بوليه المهدي طالبين معونته (عليه السلام) على أن نتحلى بروح العفو والصفح في التعامل مع الناس عموماً والمؤمنين خاصة وأن يذهب ببركة إمامنا المهدي عن نفوسنا الغيظ والأحقاد ويطهرها من البغضاء والعداوات.
إن مما لا شك فيه - اعزاءنا المستمعين- هو أن معظم هذه العوامل التي تسبب الغيظ وتوغر الصدور، تشغل الإنسان عن الله عزوجل وتصده عن السعي الجاد للتقرب منه تبارك وتعالى والإجتهاد في طي معارج الكمال وفي المقابل فإن الحسد وتناهي الأحقاد من العوامل المهمة التي تقي في الإنسان عبودية النفس ونزعاتها وأهوائها ولذلك فإن وجودها في الإنسان يهدده بالوقوع في ظلمات العدوان على الآخرين أو الإنتقام ثأراً للنفس وليس غضباً لله عزوجل.
من هنا نعلم أن التطهر من هذه العوامل هو من الخطوات الضرورية للسير على الصِّرَاط المُستَقِيم والقرب من الله جل جلاله والتحرر من أسر النفس وتهذيب مشاعر الإنسان ليكون غضبه وغيضه لله وليس للنفس وهذه من الصفات الأساسية لأنصار المهدي المخلصين والمجاهدين الربانيين. والتحلي بها من السبل العملية التي ينتهجها المؤمنون للتمهيد والتعجيل في توفير الظروف اللازمة لظهور المنقذ الأكبر المهدي الموعود (عجل الله فرجه).
وها نحن نصل أيها الأحباء الى ختام حلقة أخرى من برنامجكم (ينابيع الرحمة) إستمعتم له من إذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران، تقبل الله لطف الإصغاء وجميل المتابعة ودمتم في رعايته سالمين غانمين وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.