البث المباشر

شرح فقرة: "اللهم وأحي بوليك القرآن، ..."

السبت 3 أغسطس 2019 - 09:31 بتوقيت طهران

إذاعة طهران - ينابيع الرحمة: شرح فقرة: " اللهم وأحي بوليك القرآن " من أدعية الإمام المهدي عليه السلام.

 

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وله الحمد إذ جعلنا من أهل التمسك بمناري هدايته وعروته الوثقى وحبله المتين قرآنه الكريم وأهل بيت حبيبه الأمين أبي القاسم محمد صلوات الله وبركاته وتحياته عليه وآله أجمعين.
السلام عليكم إخوتنا وأخواتنا ورحمة الله وبركاته، معكم في لقاء آخر من هذا البرنامج ووقفة تأملية في أدعية معادن الحكمة وينابيع الرحمة وأهل بيت النبوة (عليهم السلام) ومنها الدعاء الجليل الموسوم بدعاء المعرفة والمندوب لتلاوته في عصر غيبة خاتم الأوصياء خليفة الله المهدي (عجل الله تعالى فرجه).
وقد إنتهى بنا التدبر في هذا الدعاء الى مقطعٍ نتوجه فيه الى الله جلت آلاؤه قائلين: (اللهم وأحي بوليك القرآن، وأرنا نوره سرمداً لا ظلمة فيه، وأحيّ به القلوب الميتة، واشف به الصدور الوغرة، وأجمع به الأهواء المختلفة على الحق، وأقم به الحدود المعطلة والأحكام المهملة، حتى لا يبقى حقٌ إلا ظهر، وعدلٌ إلا زهر، يا أرحم الراحمين، ...).
ايها الكرام، في العبارة الأولى نطلب من الله عزوجل أن يحي بوليه - أي بخليفته المهدي (عجل الله فرجه) القرآن، فما معنى إحياء كتاب الله أولاً؟ ولماذا نطلب أن يكون إحياءه بولي الله المهدي ثانياً؟ وهل أن هذا الإحياء يتحقق في عصر ظهور الإمام (عجل الله فرجه) أم أن مصاديق من إحياء كِتَابِ اللَّهِ تتحقق في عصر الغيبة أيضاً؟ وأخيراً ما الذي نستلهمه من هذا الطلب فيما يرتبط بواجباتنا تجاه القرآن الكريم؟
هذه الأسئلة الأربعة نسعى معاً للحصول على إجاباتها في هذا اللقاء، ونبدأ بالسؤال الأول وهو عن معنى إحياء كِتَابِ اللَّهِ عز وجل.
تنطلق للإجابة عن هذا السؤال من كِتَابِ اللَّهِ نفسه حيث نقرأ فيه قوله عز وجل في الآية الثلاثين من سورة الفرقان: «وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ، إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً».
هجر القرآن - مستمعينا الأفاضل- هو نبذه وراء الظهور أي عدم العمل به وعدم إحياء ما أحياه وإماتة ما أماته، وفي المقابل يكون إحياؤه بالعمل به وإحياء ما أحيا وإماته ما أمات، جاء في نهج البلاغة ضمن خطبة طويلة لأميرالمؤمنين (عليه السلام) في الإحتجاج على الخوارج ورد إعتراضهم على القبول بتحكيم الحكمين، قوله (صلوات الله عليه): (وإنما حكّم الحكمان ليحييا ما أحيا القرآن، ويميتا ما أمات القرآن، وإحياؤه الاجتماع عليه وإماتته الإفتراق عنه، فإن جرنا القرآن إليهم إتبعناهم وإن جرهم إلينا إتبعونا).
إذن يتضح أيها الأخوة والأخوات أن ما نطلبه في هذا الدعاء هو إحياء كِتَابِ اللَّهِ عزوجل بمعنى جمع الأمة على محور العمل بالقرآن وإحياء ما أحياه من قيم العدالة الإلهية وإماتة ما أماته من أحكام الجاهلية.
وهنا نصل الى السؤال الثاني وهو: لماذا نطلب من الله جل جلاله أن يكون إحياء القرآن بواسطة وليه وخليفته خاتم الأوصياء المهدي (أرواحنا فداه)؟
هذا السؤال يجيبنا عنه الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) بكل وضوحٍ في كثير من أحاديثه الشريفة التي صحت روايتها في كتب السنة والشيعة أشهرها حديث الثقلين المتواتر.
فهذا الحديث يصرح بأن النجاة من الضلالة لا تتحقق إلا بالتمسك بالقرآن والعترة معاً، أي أن التمسك بالقرآن لا يتحقق أبداً ما لم يقترن بالتمسك بولاية أئمة العترة المحمدية (عليهم السلام)، والسبب واضح هو أن الأئمة (عليهم السلام) هم العارفون بحقائق القرآن وهم العالمون بسبل تطبيقها على وفق ما أنزلت.
من هنا صرحت الأحاديث الشريفة بأن الإمام المهدي (عجل الله فرجه) أذا ظهر أخذ ومعه أنصاره بتعليم الناس القرآن الكريم كما أنزل.
مستمعينا الأفاضل، وفي المقابل فإن الأعراض عن التمسك بولاية الإمام المعصوم من العترة المحمدية ومحاربته هي إماتة للقرآن الكريم وأوضح مصاديق هجره، روي في كتاب الروضة من الكافي مسنداً عن مولانا الإمام الباقر (عليه السلام) أن أميرالمؤمنين الوصي المرتضى (سلام الله عليه) وبعد الفراغ من جمع القرآن الكريم بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) خطب في المسلمين وتحدث عن سوء عاقبة أمام الناقضين لبيعة الغدير وما ينتظره من عذاب أليم في الآخرة، وكان مما قاله عنه في هذه الخطبة: (أنا الذكر الذي عنه ظلّ، والسبيل الذي به كفر، القرآن الذي إياه هجر، والدين الذي به كذب، والصراط الذي عنه نكب).
والمضمون نفسه نجده أيها الأعزاء في إحدى نصوص زيارات الإمام الحسين (عليه السلام) المروية في عدة من مصادرنا المعتبرة عن أئمة الهدى (عليهم السلام)، حيث جاء فيها مخاطبة سيد الشهداء (عليه السلام) بالقول: (لعن الله أمةً إستحلت منك المحارم، فقتلت مظلوماً، لقد أصبح رسول الله صلى الله عليه وآله بك موتوراً وعاد كتاب الله عزوجل مَهْجُوراً وغودر الحق إذ قهرت مقهوراً، وفقد بفقدك التكبير والتهليل والتحريم والتحليل والتنزيل والتأويل وظهر بعدك التغيير والتبديل والإلحاد والتعطيل والأهواء والأضاليل والفتن والأباطيل).
إذن يتضح مما تقدم أن إحياء الله عزوجل لكتابه المجيد يتحقق في زمن ظهور خليفته المهدي (عجل الله فرجه) بأجتماع الخلق على التمسك بولاية الامام الحجة والعمل في ظل هدايته بأحكام وحقائق القرآن الكريم فيخرج كِتَاب اللَّهِ من حالة التمسك بظواهره دون حقائق المكنونة.
وبهذه النتيجة ننهي اعزاءنا مستمعي إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران، لقاء اليوم من برنامج (ينابيع الرحمة) شكراً لحسن الإصغاءكم ودمتم في رعايته سالمين.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة