بسم الله وله خالص الحمد والثناء أن جعلنا من أهل المودة والأولياء لصفوته الرحماء محمد وآله الأوصياء عليهم صلواته المتواترات آنَاء اللَّيْلِ و أَطْرَافَ النَّهَارِ، السلام عليكم مستمعينا الأعزاء أهلاً بكم في حلقة أخرى من هذا البرنامج لنا فيها وقفة تأملية في عبارةٍ أخرى من دعاء المعرفة الجليل المندوب للإلتزام بتلاوته في عصر غيبة المهدي المنتظر (أرواحنا فداه) وخاصة في عصر الجمعات والعبارة التي وصلنا إليها هي من فقرة يطلب فيها المؤمن لنفسه ولسائر الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ صدق الإيمانالعملي الصادق بخاتم الأوصياء بقية الله المنتظر (عجل الله فرجه) قائلاً: (اللهم … وقوّ قلوبنا على الإيمان به حتى تسلك بنا على يديه منهاج الهدى والمحجة العظمى والطريقة الوسطى، وقوّنا على طاعته وثبِّتنا على متابعته واجعلنا في حزبه وأعوانه وأنصاره والراضين بفعله، ولا تسلبنا ذلك في حياتنا ولا عند مماتنا حتى تتوفانا ونحن على ذلك، لا شاكين ولا ناكثين ولا مرتابين ولا مكذبين … يا أرحم الراحمين).
إستنرنا في الحلقة السابقة بالعبارة الأولى من الفقرة المتقدمة وعلمنا أن المطلوب فيها هو تقوية إيماننا القلبي بأمام العصر (أرواحنا فداه) في غيبته والى درجةٍ تجعلنا نرتبط وجدانياً به (عليه السلام) لكي يعيننا من حيث نشعرُ أو لا نشعرُ على العمل بالدين الإلهي الحق المتميز بكونه منهاج الهدى أي طريق الهداية الواضح الذي يسير فيه الإنسان بثقةٍ وطمأنينةٍ، وكذلك المتميز بكونه (المُحجَّة العظمى) أي أفضل الطرق الموصلة الى مقصد الإنسان وغايته في الفوز برضا الله وقربه عزوجل، وكذلك المتميز بكونه (الطريقة الوسطى) التي تمثل حَدََّ الإعتدال والتوازن المنزه عن جميع أشكال الإفراط والتفريط، أما في العبارة التالية فإننا نطلب من الله عزوجل تقويتنا على طاعة إمام زماننا والثبات على متابعته، فما هو المقصود من ذلك وما هو الفرق بين الطاعةوالمتابعة؟
التقوية على الطاعة تعني - أيها الأحبة- طلب العون والقوة من الله عزوجل على طاعة بقيته إمام العصر (أرواحنا فداه) في جميع ما نضعُفُ عن العمل به من أوامره ونواهيه )عليه السلام( وهي في الواقع أوامر ونواهي الله عزوجل ورسوله الأكرم )صلى الله عليه وآله(.
فمثلاً قد يصعُبُ علينا ضبط اللسان في دائرة الأحكام الشرعية واجتناب الغيبة أو اللغو أو غير ذلك مما لا يرضاه الله ورسوله وخليفته المهدي، وتفشل محاولاتنا ومساعينا الذاتية لطاعة إمامنا في اجتناب ذلك، وهنا نطلب من الله عزوجل أن يقوينا على ذلك والله عزوجل سميع مجيب رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ.
وهكذا الأمر بالنسبة لسائر الطاعات التي أمرالله ورسوله وخليفته المهدي المؤمنين بها، هذا بالنسبة لمعنى طلب التقوية على طاعة إمام العصر (أرواحنا فداه) فما معنى الثبات على متابعته (سلام الله عليه)؟ الإجابة تأتيكم اعزاءنا بعد قليل فكونوا معنا.
يستفاد من مراجعة كتب اللغة والتفسير أنّ المتابعة لشخص تعني اقتفاء أثره والإلتحاق به، وهي مرتـَّبة من الملازمة والمَعيَّةِ له بما هو أعمُّ من طاعته فتشمل معنى التأسي به ومواساته والكينونة المادية معه.
والثبات على متابعة إمام العصرفي غيبته (عجل الله فرجه) يعني الإستمرار في اقتفاء أثره، والكينونة المعنوية والقلبية معه، ومواساته والتأسي به في صبره، والتخلق بأخلاقه وسائر ما يستفاد منه معنى الإلتحاق به واتباعه.
وعليه يَتـَّضِحُ الفرق بين الطاعة و المتابعة، فالطاعة تعني العمل بأوامره ونواهيه (عليه السلام) أما المتابعة فهي تشمل ما هو أسمى وأشمل من ذلك من التأسيِّ به واقتفاء خطاهُ والتخلق بأخلاقه ومواساته، ولذلك نلاحظ أن القرآن الكريم جعل الجنة والثواب ثمرة لطاعة أوليائه أما ثمرة اتباعهم فهي أسمى من النجاة من النار و الفوز بالجنة، إنها الفوز بحب الله عزوجل لمُتـَّبعي أوليائه، قال عزّ من قائل في الآية ۳۱ من سورة آل عمران: مخاطباً رسوله الأكرم (صلى الله عليه وآله): «قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ».
من هنا مستمعينا الأكارم جاءت العبارة التالية من الدعاء لتعلم المؤمنين أن يطلبوا من الله عزوجل المصاديق العملية لصدق الثبات على متابعة إمام العصر (أرواحنا فداه) فيدعونه جل جلاله قائلين: (واجعلنا في حزبه وأعوانه وأنصاره والراضين بفعله).
في هذه العبارة من الدعاء نطلب في الواقع من الله عزوجل أربعة أمورٍ يتحقق فيها معنى المتابعة لإمامنا المهدي (عجل الله فرجه).
الأولى: أن نكون من حزبه أي من الجماعة المؤمنة المجتمعة معه (عليه السلام) على هدف محوري هو تحقيق إرادة الله عزوجل في عباده وأرضه.
والثانية: أن نكون من أعوانه أي المؤازرين له والباذلين جهدهم في تحقيق الهدف المحوري المذكور.
والصفة الثالثة: أن نكون من أنصاره في مواجهة الصادين عن تحقيق أهدافه الإلهية السامية.
أما الصفة الرابعة: فهي أن نكون من الراضين بفعله (عليه السلام) أي المسلِّمين لأمره فيما نحبُّ أو نكره إيماناً وثقة بأنه لا يفعل إلا ما يرضي الله وما يُعبِّرُ عن إرادة الله عزوجل.
والى هنا نصل بكم مستمعينا الأفاضل الى ختام حلقة أخرى من برنامج (ينابيع الرحمة) من إذاعة طهران، صوت الجمهورية الاسلامية في ايران تقبلوا منا خالص التحيات ودمتم في رعاية الله.