السلام عليكم أعزائنا وأهلا بكم في حلقة أخرى من هذا البرنامج نقضي فيها دقائق مع أولى فقرات الدعاء الجليل الذي أمرنا مولانا امام العصر بالإلتزام بتلاوته في عصر غيبته (عجل الله فرجه) تثبيتاً للإيمان ونجاة من الفتن. والفقرة المشار إليها هو قول الداعي: (اللهم عرفني نفسك، فإنك إن لم تعرفني نفسك لم أعرفك ولم أعرف رسولك، اللهم عرفني رسولك فإنك إن لم تعرفني رسولك لم أعرف حجتك، اللهم عرفني حجتك، فإنك إن لم تعرفني حجتك ضللت عن ديني).
مستمعينا الافاضل، في الحلقة السابقة عرفنا بعض الدلالات العقائدية المستفادة من العبارة الأولى في هذه الفقرة، ونتدَّبر معاً في هذا اللقاء بالعبارة الثانية، وفيها يطلب الداعي من الله عزوجل أن يعرِّفه رسوله لأنه إن لم يعرِّفه رسوله لم يعرف حجته، فما المراد بذلك؟
بداية ينبغي أن نعرف أنّ المراد (برسولك) هنا هو النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) بالخصوص، وهذا الأمر واضحٌ لأن الداعي هو من أمّة خاتم الأنبياء (صلى الله عليه وآله)، وواجبه أن يعرف من هو نبيُّهُ بالخصوص وإيمانه بالأنبياء السابقين – على نبينا وآله وعليهم أفضل السلام – هو بالنسبة لهذه الأمة فرع الإيمان بنبوة الخاتم (صلى الله عليه وآله)، نجد في القرآن الكريم إشاراتٍ كثيرة إلى هذه الحقيقة العقائدية.
هذا بالنسبة إلى المراد برسولك في هذه العبارة، فما هو المراد بحجَّة الله الذي إن لم يعرف الإنسان رسوله لم يعرفه؟!
في الإجابة عن السؤال المتقدم، نذكر مستمعينا الأفاضل، بأنّ الدعاء خاصٌّ كما ألمحنا بعصر الغيبة، وعليه يتـَّضِحُ أنّ المراد بالحجة هو إمام العصر المُغيَّبُ كغيبة الشمس خلف السحاب (عجل الله فرجه).
وهنا نعرض سؤالاً آخر هو ما معنى كونه (عليه السلام) حجّة الله؟
للإجابة عن هذا السؤال نرجعُ إلى النصوص الشريفة، فنجدها تبيِّن لنا أنّ الحجة في عصر الغيبة هو خليفة الله الذي به يدَّبر الله عزوجل نظام الكون وشؤون العباد، الذي لولاه لساخت الأرض بأهلها أي لزالت كما صرَّحَتْ بذلك كثير من النصوص الشريفة.
وعلى ضوء هذه الحقيقة نعرف سرِّ كون معرفة رسول الله (صلى الله عليه وآله) شرط معرفة حجّة الله الموجود في الأرض في كل عصر ولكن كيف؟ الإجابة تأتيكم بعد قليل، فتابعونا مشكورين.
لا حظوا أحبائنا أن العبارة الأولى في هذه الفقرة النورانية من الدعاء الشريف بيّنت لنا أن معرفة الله عزوجل شرطٌ لحصول المؤمن على معرفة رسوله الأكرم (صلى الله عليه واله)، وقد عرفنا في الحلقة السابقة أنّ سرَّ هذه الشرطية هو أنّ رسول الله هو في الواقع خليفة الله المطلق في أرضه، ومعلوم أنّ معرفة المُستخلف شرط معرفة الخليفة، إذ خلافة الله المطلقة تعني تمثيل الله عزوجل لعباده بكل أخلاقه عزوجل وإدارة شؤون العباد بإذنه جل جلاله بل إجراء إرادته في خلقه في الواقع؟
من هنا نعلم أنّ رسول الله هو المعرِّف لأخلاق الله وإرادته بين عباده، فلا يخرج منها قيد أنمُلة، وهذا هو معنى العصمة المحمدية المطلقة في عقيدة مدرسة أهل البيت (عليهم السلام).
وبذلك فإنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) هو حجة الله المطلقة على جميع الخلق وإلى يوم القيامة، ولذلك كان حلاله حلالاً إلى يوم القيامة وحرامه حراماً إلى يوم القيامة.
وعليه يتـَّضِحُ أنّ حجة الله عزوجل في عصر الغيبة إنما يمثـِّل حُجيّة رسول الله الأعظم على الناس، أي أنه العارف بالكامل بحلال محمد (صلى الله عليه وآله) وحرامه، الملتزم بذلك وبصورةٍ كاملةٍ أيضاً، والمعصوم بالعصمة المحمدية المطلقة وبالكامل أيضاً. وبعبارة أخرى فإنّ حجّة الله على خلقه في كل عصر هو خليفة رسول الله بالخلافة المطلقة وبذلك يكون أمين الله في أرضه وحجته على عباده.
وعلى ضوء كل ما تقدَّم يتـَّضِحُ سِرُّ تأكيد هذا الدعاء الشريف على أنّ معرفة رسول الله شرط معرفة حجَّة الله علينا في هذا العصر أي شرط معرفة إمام العصر والزمان (سلام الله عليه)، إذ أنّ إمام العصر هو خليفة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، أي الممثل له في أمّته بأخلاقه وعصمته وسيرته، فإذا عرفنا رسول الله حقاً عرفنا تبعاً من يمثـِّله ويتحلّى بأخلاقه وعصمته.
مستمعينا الاطائب أما في العبارة الثالثة والأخيرة في هذه الفقرة فنجد الداعي يطلب من الله عزوجل أن يعرِّفه بحجته في هذا العصر معلِّلاً طلبه، بأنّ هذه المعرفة شرط الإهتداء إليه عزوجل وبغيره يضلُّ الإنسان عن الدين الحق ويقع في حبائل الأئمة المضلـِّين.
والسِرُّ في ذلك أيها الإخوة والأخوات هو أنّ الإنسان إذا عرف حجَّة الله عليه توجَّه إليه وطلب الدينَ منه (عليه السلام). وإن كان غائباً مستوراً كما هو حال المؤمنين في عصر غيبة مولانا الإمام المنتظر (عجل الله فرجه) فإنّ المؤمن يحصل على الدين الحقِّ من إمام زمانه بصورة غير مباشرةٍ وبوسائل عدَّةٍ، الظاهرية منها هم المجتهدون الأتقياء والفقهاء الصائنون لأنفسهم من الهوى والرواة العارفون بقيم وأحكام مدرسة أهل البيت (عليهم السلام)، فقد أمرنا إمام العصر (أرواحنا فداه) بالرجوع إليهم في عصر غيبته.
وإضافة إلى ذلك ثمة وسائل غير ظاهرية يستعين بها إمام الزمان لهداية طلاب الهدى المحمدي النقي، فيهديهم بها وبأمر الله وإذنه إلى الدين الحق ولو من حيث لا يشعرون.
وبهذا مستمعينا الأكارم تنتهي حلقة اليوم من برنامج (ينابيع الرحمة) إستمعتم لها من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في إيران شكراً لكم ودمتم في رعاية الله.