بسم الله وله الحمد بارىء الخلائق ورازقها العزيز الحكيم، والصلاة والسلام على حبينا المصطفى وآله الهداة الى نهجه القويم.
السلام عليكم أيها الأعزاء، معكم في لقاء آخر من هذا البرنامج نتابع فيه إستلهام الإستفادات العقائدية والتربوية من دعاء مولانا الإمام المهدي (عجل الله فرجه) بعد الزيارة المروية عنه التي يزور بها جده سيد الشهداء (عليه السلام) يوم عاشوراء، وقد إنتهينا الى قوله (أرواحنا فداه): (اللهم إني أشهدك على تصديقي رسولك (صلى الله عليه وآله) وإيماني به وعلمي بمنزلته، وإني أشهد أنه النبيّ الذي نطقت الحكمة بفضله وبشرت الأنبياء به ودعت الى الإقرار بما جاء به وحثت على تصديقه بقوله تعالى: «الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ»، فصلّ على محمد رسولك الى الثقلين وسيد الأنبياء المصطفين، ...).
علمنا - مستمعي الكريم- في الحلقة السابقة أن في إشهاد الداعي ربه العليم على العقائد الحقة تقوية لروح المسؤولية تجاهها وطلباً منه عزوجل التثبيت عليها وعدم الغفلة عن الإلتزام بمقتضيات الإعتقاد بالنبوة المحمدية في كلّ جزئياتها وفي كلّ ما أمر به النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله).
أما التصديق برسول الله (صلى الله عليه وآله) فهو يعني الإعتقاد بصحة كل ما قاله وبعده عن جميع أشكال الكذب الصريح أو الخفي، وهذا التصديق هو مقدمة للإيمان بنبوته (صلى الله عليه وآله) الذي يعني الإعتقاد الجازم بأنه مرسلٌ من الله عزوجل لهداية خلقه.
والعلم بمنزلته (صلى الله عليه وآله) هو ثمرة الإيمان بنبوته، فيعني الإعتقاد القويّ بالخصوصيات التي أختص بها من بين جميع الأنبياء والمرسلين فكان سيدهم صلوات الله عليه وآله وعليهم أجمعين.
وفي العبارة التالية يعلمنا مولانا صاحب الزمان (عجل الله فرجه) أن نشهد الله عزوجل على الإعتقاد بأن رسوله الأكرم هو (النبيّ الذي نطقت الحكمة بفضله) فما هو مغزى هذا التشبيه وما هي الحكمة التي نطقت بفضله؟ لا يخفى عليكم أن صياغة هذه العبارة توحي بوضوح أن نطق الحكمة بفضله هي من خصائصه (صلى الله عليه وآله)، فمعناها هو أنه النبي الذي أختص بذلك، أي أنه النبي الذي تشهد حكمته بأنه الأفضل على الإطلاق.
وهذا المعنى نجده في قوله (صلى الله عليه وآله) ضمن حديث ورد في سياق خصائصه قال فيه (أوتيت جوامع الكلم)، وجوامع الكلم هي أعلى مراتب الحكمة التي من يؤتاها فقد أوتي خيراً كثيراً كما ورد في المنطوق القرآني.
ومن هنا نستلهم إستفادة معرفية مهمة هي أن من الوسائل المهمة للحصول على المعرفة بالنبيّ الأكرم هو التدبر في كلامه وحكمه (صلى الله عليه وآله) فهي من الكلام الذي لا يمكن أن يصدر إلا عمَّن بلغ أسمى مراتب الكمال والقرب من الحكيم المطلق الله جل جلاله.
الخصوصية المحمدية الثانية التي يشهد الإمام المهدي ربّه الجليل عليها في الدعاء المتقدم هي كون رسوله الأكرم هو النبي الذي بشَّرت به الأنبياء ودعت الى الإقرار بما جاء به وحثت على تصديقه (صلى الله عليه وآله).
قد يستفاد من بعض الروايات الشريفة أن بعض الأنبياء قد بشر بنبي لاحق ولكن ليس في الأنبياء من بشروا به جميعاً سوى النبي الخاتم (صلى الله عليه وآله) وهذه من الحقائق المهمة في معرفة الرسول الأعظم، فهي تعني أنه النبي الذي عرفه الله عزوجل لجميع أنبيائه، فما هو السّرّ في ذلك وما الذي يعبّر عنه؟
لعل من أسرار ذلك أن معرفته (صلى الله عليه وآله) وسيلة لا غنى عنها لمعرفة الله عزوجل حتى بالنسبة للأنبياء (عليهم السلام) الذين هم صفوة الله من خلقه.
هذا أولاً وثانياً فإن التبشير به من قبل الأنبياء السابقين يرتبط بعالميّة رسالته (صلى الله عليه وآله) وكونها تشمل جميع الأمم، وفي هذا التبشير إتمام للحجة على أتباع الديانات الأخرى للإيمان بسيد الأنبياء وإتباعه إطاعة لأنبيائهم الذين بشروا به (صلى الله عليه وآله)، وهذا الأمر واضحٌ من سياق الآية التي إستشهد بها الإمام المهدي أرواحنا فداه في دعائه.
مستمعينا الأكارم، وعلى أساس المعرفة المتقدمة بالنبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله) تظهر خصوصية الصلاة التي يصليها الداعي في تتمة الدعاء، فهي الصلاة بأعلى مراتبها لأنها صلاة على الوجود الأقدس من الخلائق أجمعين، فيقول الداعي: (فصل على محمد رسولك الى الثقلين وسيد الأنبياء المصطفين).
ولا يخفى عليكم أن الثقلين هنا هما الإنس والجن، والمستفاد تربوياً من هذه الفقرة هو أن علينا عندما ندعوه عزوجل بالصلاة على نبيه الأكرم (صلى الله عليه وآله) أن نطلب منه أن يصلي عليه بأعظم صلواته بركة وشمولية.
تقبل الله منكم أعزاءنا مستمعي إذاعة طهران طيب الإصغاء لهذه الحلقة من برنامج (ينابيع الرحمة) الى لقاء مقبل بأذن الله دمتم بكلّ خير.