نواصل حديثنا عن الادعية المباركة، ومنها: دعاء الامام المهدي (عليه السلام) الخاص بقراءته يوم عاشوراء، حيث حدثناك عن احد مقاطعه ونحدثك الان عن مقطع جديد بدأ على النحو الاتي عبر مواصلة التمجيد لله تعالى ووحدانيته: (الاول بغير اول، والآخر الى غير آخر، الظاهر على كل شيء بقدرته، والباطن دون كل شيء بعلمه ولطفه، ...).
هذه العبارات امتداد لسابقتها في التعريف بصفات الله تعالى ومنها صفة (الاول بغير اول) وصفة (الآخر الى غير آخر)، ان هاتين الصفتين ترتبطان بازلية الله تعالى بقدمه، فهو الاول لا سابق له، والآخر لا لاحق له، هو الاول السابق للاشياء، الكائن قبل وجود الخلق لا شيء قبله، كما انه الاخر الباقي بعد فناء الخلق، وهاتان الصفتان - كما قلنا- ترتبطان بازليته، بقدمه، وهما صفتان تتداعيان بالذهن الى (تفرده) تعالى، ومن ثم ما يترتب على تفرده ووحدانيته من صفات العظمة والرحمة حيث نلاحظ عبارة ثالثة تواجهنا بعد تينك الصفتين وهي: (الظاهر على كل شيء بقدرته)، ان هذه العبارة لها دلالتها المهمة في التعريف بما يترتب على وحدانيته من رحمة وقدرة كما اشرنا، حيث تشير العبارة الى قدرته تعالى من خلال الاشارة الى انه الظاهر او المسيطر او المهيمن على كل شيء من خلال (قدرته التي اشار النص اليها كذلك هو الظاهر بوحدانيته).
بعد ذلك نواجه عبارة: (الباطن) وهي عبارة تقابل صفة (الظاهر)، ولكن من خلال كون (الظاهر)، يعني: انه تعالى واضح في (حججه) الباهرة وبراهينه وشواهد آثاره، واما (الباطن)، فيعني: المحتجب عن ادراك الابصار، حيث يقول النص: (الباطن دون كل شيء بعلمه ولطفه) حيث لا يحيط الخلق بذلك، او كما عبر احدهم بانه (الظاهر) بآياته، و(الباطن) او المحتجب بالذات، وهاتان الصفتان تتداعيان بالذهن الى التسليم بعظمته من خلال ابداعه للخلق، وعدم ادراكنا لكنه ذاته، وهما صفتان تعززان يقيننا بعظمته تعالى ومن ثم: التسليم بحكمته تعالى في ابداعه للظواهر والتسليم برحمته في ذلك حيث ان عبارة: (بعلمه ولطفه) تشير الى (الرحمة) وعبارة: (الظاهر علي كل شيء بقدرته) تشير الى (القدرة)، حيث كررنا بان (القدرة) الالهية لا تنفصل عن (الرحمة) مما يعزز يقيننا بان الله تعالى ابدع المخلوقات وفق حكمة ورحمة.
بعد ذلك نواجه العبارات الاتية: (لا تقف العقول على كنه عظمته ولا تدرك الاوهام حقيقة ماهيته، ولا تتصور الانفس معاني كيفيته، مطلعاً على الظمائر عارفاً بالسرائر، يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ، ...)، ان هذه العبارات تضطلع - في قسم منها - بتفصيل ما اجملته العبارات السابقة، اي: صفات (الظاهر) و(الباطن) ونحوهما مما المحنا الى دلالاتها، ولكن التفصيل هنا يسعف قارئ الدعاء على ترسيخ يقينه بعظمة الله تعالى ورحمته فالاشارة الى ان العقول لا تقف على كنه عظمته، ولا تدرك الاوهام او التخيلات حقيقة ماهيته ولا تتصور الانفس معاني كيفيته، هذه العبارات هي تفصيل لصفة (الباطن) الذي يعني احتجابه تعالى بالذات بحيث لا يمكن لأحد ان يدرك كنه عظمته، وماهيته ومعاني كيفيته من خلال ادوات الادراك: كالتخيل، ونحوه من المهارات العقلية المحدودة عند الخلق.
بعد ذلك يشير الدعاء الى انه تعالى مطلع على السرائر والضمائر، وخَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ، وهي: صفات تقابل عدم ادراكنا لعظمته، اي: انه تعالى على العكس من الخلق: مطلع على كل سلوكهم الظاهر والباطن على نحو ما نحدثك عنه في لقاء لاحق ان شاء الله تعالى.
ختاماً نسأله تعالى ان يوفقنا الى ممارسة الطاعة والتصاعد بها الى النحو المطلوب.