نتابع حديثنا عن الادعية المباركة، ومنها: دعاء الامام المهدي (عليه السلام) الخاص بقراءته في يوم عاشوراء، حيث حدثناك عن المقطع الاول منه وانتهينا الى العبارات المهللة لله تعالى والملوحة بابداعه للسماوات والارض حيث ختمت بما يأتي: (خلافاً لاعدائه، وتكذيباً لمن عدل به، واقراراً لربوبيته، وخضوعاً لعزته، …)، ان هذه العبارات الاربع جاءت تتويجاً لعبارات استهلالية تتحدث عن وحدانية الله تعالى وعن صفاته المرتبطة برحمته وقدرته، مع ملاحظة ان كل موضوع من هذا الاستهلال يتضمن اربع مفردات بحيث يكشف هذا التناسق بين موضوعات الدعاء عن بلاغة فائقة تضفي جمالية على الدلالات التي يتضمنها الدعاء، والمهم الان: لفت نظرك الى ختام المقطع حيث يتضمن اربع مفردات (كما قلنا) من التعقيب على وحدانية الله تعالى وصفاته وهي: (خلافاً لاعدائه)، (وتكذيباً لمن عدل به)، (اقراراً لربوبيته)، (خضوعاً لعزته)، ان هذه المفردات الاربع تتطلب القاء الاضاءة عليها، وهذا ما نبدأ به الان.
ان قارئ الدعاء عندما يلاحظ بان الدعاء قد استهل بعبارة (لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ)، ثم بتلميحه الى خلقه للسماوات والارضين، ثم تعقيبه بعبارة: (خلافاً لاعدائه)، فهذا يعني ان لهذه العبارات نكاتها الدلالية، فماذا نستلهم منها؟
ان البشر لا يخلو من نمط موحد لله تعالى، ونمط مشترك، ونمط لا منتم، ومقطع الدعاء يستهدف الاشارة الى هذه الانماط والتعقيب على ذلك: تأكيداً لمفهوم الوحدانية.
وقد بدأ بعبارة: (خلافاً لاعدائه) وهي عبارة تتطلب التأمل حيث نتساءل: مالمقصود بالاعداء؟ هل هم المقرون بربوبيته تعالى ولكنهم معاندون وجاحدون؟ ام هل هم المنحرفون الممارسون للمعصية؟
في تصورنا ان المصطلح (الاعداء) يشمل جميع الطبقات المنحرفة حيث استهدف الدعاء الاشارة اولاً: الى عنوان عام، ثم التلميح بمصاديق منه، حيث جاء المصداق (الشرك) ملوحاً به في عبارة: (وتكذيباً لمن عدل به)، ان (العدل) بالشيء يعني الشرك به وهذا ما يتناسق تماماً مع مجتمع الشرك المعاصر لرسالة الاسلام.
بعد ذلك نواجه عبارة: (اقراراً لربوبيته)، ثم عبارة: (خضوعاً لعزته)، هنا نتساءل: ما هي الاسرار الكامنة وراء هاتين المفردتين؟
الجواب: بما ان المقطع الاستهلالي لهذا الدعاء يتضمن التأكيد على مفهوم الوحدانية او الربوبية: كما قلنا سابقاً حينئذ فان التعقيب على الجاحدين لهذا الجانب يتطلب بعد الرد عليهم: ان نقر بربوبيته تعالى وان نخضع لعزته (كما هو الملاحظ في عبارتي اقراراً لربوبيته) لها تفسيرها الذي ذكرناه، اي: الردّ على اعداء الله تعالى حينئذ يظل السؤال عن عبارة: (خضوعاً لعزته)يفرض علينا طرحه والاجابة عن النكتة الكامنة وراء ذلك. فماذا نستخلص من عبارة: (خضوعاً لعزته)؟
ان (العزة) في دلالتها اللغوية هي: (المنيع الذي لا ينال ولا يغالب ولا يعجزه شيء ولا مثل له)، اذن هذه الدلالة تظل منسجمة تماماً مع السياق الدلالي للمقطع حيث قلنا ان الاشارة الى انه تعالى: (لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ) والاشارة الى انه: (الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ) والى انه: (مبدع السماوات والارضين وما بينهما، ...)، تظل تأكيداً لمفهوم الوحدانية او الربوبية ومن ثم فان الوحدانية او الربوبية تستتبع بالضرورة بان نقر بها ونخضع لفاعليتها وهو ما عبرت الفقرة عنه حينما قالت: (خضوعاً لعزته)، اي: خضوعاً لله تعالى الذي لا ينال ولا يغالب ولا يعجزه شيء ولامثل له.
اذن امكننا ان نتبين جانباً من الموضوعات التي طرحها المقطع الاول من الدعاء، سائلين الله تعالى ان يجعلنا من المقرين بربوبيته تعالى والخاضعين لعزته ومن ثم نسأله ان يوفقنا الى ممارسة الطاعة والتصاعد بها الى النحو المطلوب.