نواصل حديثنا عن الادعية المباركة، ومنها: دعاء الامام المهدي (عليه السلام)، الخاص بقراءته بعد زيارته (عليه السلام)، حيث حدثناك عن مقاطع منه،...ونحدثك الآن عن مقطع بدأ على هذا النحو: (اللهم اعذه من شر كل باغ وطاغٍ، ومن شر جميع خلقك، واحفظه من بين يديه وخلفه وعن شماله، واحرسه وامنعه من ان يوصل إليه بسوء، ...).
ان هذا النص ينطوي على جملة نكات،ينبغي ان نلقي الإضاءة عليها، وأول ذلك هو ملاحظة الفوارق بين المصطلحات التي استخدمها النص مثل (باغ) و(طاغ)، حيث توسل النص بالله تعالى بان يعين الامام (عليه السلام) من كل باغ وطاغ.
(البغي) هو: الظلم والعدوان، واما (الطغيان)، فهو: الدرجة العليا منه، اي: الظلم والعدوان في اشد درجاته، وهذا يعني ان الدعاء توسل بالله تعالى بان يعين الامام (عليه السلام) من كل انماط العدوان في شتى درجاته: حرصاً علي تحقيق حركته بكل متطلباتها.
بعد ذلك يشير النص الى ان الاعاذه من شر جميع الخلق، من بين يده، وخلفه، ويمينه وشماله، فماذا يعني بذلك؟
الجواب: لاحظنا بأن النص توسل بالله تعالى اولاً ان يكفي الامام (عليه السلام) شر الباغي والطاغي، ثم مطلق الشر الصادر من الخلق، بصفة ان الشر من الممكن ان يصدر من عدّو باغ وطاغ، كالكفار مثلاً او اليهود او اللاملتزمين، كما يمكن صدوره من اشخاص او جماعات مسلمة في ظاهرها ولكنها منحرفة في افكارها وتوجهاتها: كالنواصب مثلاً او مطلق المذاهب المنحرفة او مطلق الفسقة، وهكذا .
يبقى ان نشير الى ملاحظة فنية وهي: التوسل بالله تعالى ان يحفظ الامام (عليه السلام) من بين يده وخلفه ويمينه وشماله، فماذا يقصد بهذا؟
الجواب: ان الاشارة الى هذه الجهات الأربع، تعني: رموزاً كلية بالنسبة الى الحفظ من كل سوء، اي: ان الجهة هي: رمز للسوء أو الشر الصادر من المخلوق اياً كان نمطه حتى لو كان من غير الانس مثلاً، وهذا مما تساعد عليه العبارة الاخيرة القائلة: (وامنعه من أن يوصل إليه بسوء، ...)، وهي عبارة تحمل دلالة لافته، فهي من جانب تعني: مطلق السوء كما أشرنا، ومن جهة ثانية تنطوي على نكتة فنية هي: عبارة (واحرسه)، حيث يمكن لقارئ الدعاء ان يقول: ما هو الفارق بين ان يحفظ الله تعالى الامام من كل سوء وبين ان يمنع من وصول السوء إليه؟ وهذا يحتاج الى شيء من الاثارة.
ان الفارق بين ان نقول: اللهم احفظنا من كل سوء اللهم امنع من وصول السوء الينا، هو على النحو الآتي: ان (الحفظ) هو: تعبير عام عن السلامة، واما (المنع) من وصول السوء فهو: مرحلة تالية، اي: ان هذا الشخص او ذاك يحيا بسلام طيلة وجوده هنا مثلاً فهو محفوظ ولكن من الممكن ان يصله السوء في لحظة ما وهذا يتطلب وجود قوى تمنع وصول السوء المذكور، وهذا ما تنطق به العبارة المتوسلة بالله تعالى بأن يحفظ الله تعالى الامام من وصول اي سوء إليه في حركته الاصلاحية.
اذن امكننا ان نتبين جانباً من الفوارق التعبيرية بين (الحفظ) و(المنع) وبين (الطاغي) و(الباغي)، وسائر ما لاحظنا في النص، سائلين الله تعالى ان يعجل لنا ظهور الامام (عليه السلام) وان يوفقنا الى ممارسة الطاعة والتصاعد بها الى النحو المطلوب.