نتابع حديثنا عن الادعية المباركة ومنها: دعاء الامام المهدي (عليه السلام) عقب زيارته: (اللهم اني اسألك ان تصلي على محمد نبي رحمتك، وكلمة نورك، وان تملأ قلبي نور اليقين، وصدري نور الايمان، …) .
هذا الاستهلال للدعاء الوارد بعد زيارة الامام المهدي (عليه السلام) البادئة بعبارة: (سَلامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ) ينطوي على نكات في غاية الاهمية، حيث ان الاستهلال العام في الادعية جميعاً أو غالباً يتمثل في الصلاة على النبي وآله (عليهم السلام)، ولكن الملاحظ ان الموضوع الذي يلي ظاهرة الصلاة قد صيغ بهذا النحو: (أسألك ان تصلي على محمد نبي رحمتك).
هنا لامناص لقارئ الدعاء ان يتساءل: لماذا استهلّ الدعاء بالصلاة على محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) مقروناً بانه (صلى الله عليه وآله وسلم) (نبي الرحمة)؟
اذن (الرحمة) هنا موضوع في غاية الاهمية مما يعني ان قارئ الدعاء أمام الرحمة يتداعي ذهنه اليها، وهل تنتظر غير الرحمة وغير رضوانه تعالى؟
اذن البشارة سوف تطفح على لسان القارئ للدعاء بان (الرحمة) ستشمله لامحالة، ولكن ماذا بعد ذلك؟
يقول الدعاء اسألك ان تصلي علي محمد نبي رحمتك ثم ماذا (وكلمة نورك)؟
هنا تبدأ النكات الدلالية المهمة في الدعاء، حيث تظل كلمة (النور) متكررة في فقرات متتالية على نحو ما نحدثك عنها لاحقاً ان شاء الله تعالى، اما الان نبدأ بحديثنا عن العبارة الاولى العامة القائلة: (كلمة نورك)، ترى ماذا نستلهم من العبارة؟
طبيعياً سوف نرى ان شاء الله تعالى في الفقرات اللاحقة - كما اشرنا - ان مصطلح (النور) يتكرر في عبارات من نحو (نور اليقين)،(نور الايمان)، ولكن مثل هذا التكرار ثمة عنوان عام هو عبارة (كلمة نورك) ، حيث تندرج بعدها العبارات المتضمنة لكلمة النور .
اذن نتساءل اولاً: ما كلمة الملحق بها (النور) في عبارة (كلمة نورك)؟
على قارئ الدعاء ان يتداعى بذهنه الى سورة (النور) في القرآن الكريم وحينئذ ستواجه الاية المباركة القائلة: «اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ»، هنا نحسب ان القارئ للدعاء سوف يفهم ان الله تعالى «نُورُ» وان رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي يضطلع بتقديم مبادئ النور لابد وان يجسد ذلك في عبارة (كلمة نورك)، اي: هو الرسول الذي يضطلع بتوصيل مبادئ النور الى الناس، لكن نحسب بدورنا ان قارئ الدعاء قد يتساءل قائلاً: لماذا انتخب الامام المهدي (عليه السلام) عبارة (كلمة) دون سواها عن العبارات الاخرى مثل رسول او نبي؟
مرة جديدة ندعوك الى ملاحظة النصوص القرآنية الكريمة ومنها: ما ورد في سورة لقمان (عليه السلام) قوله تعالى: «مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ»: حينئذ سنتعرف بان (كلمات الله تعالى) تعني: في جملة ما تعنيه: عطاء الله تعالى حيث لاحدود لها، هنا عندما يستهل الدعاء بعبارة: (نبي رحمتك)، يعني نبي عطاء الله تعالى، وها هي عطاءات الله تعالى تتدفق متمثلة في عبارة: (كلمة نورك)، اذن (كلمة نورك) تعني عطاء الله تعالى، لكن على قارئ الدعاء ايضاً ان ينابع ما ورد من العبارات التالية لعبارة: (كلمة نورك)، حيث يرى عبارات من امثال (املأ قلبي: نور اليقين وصدري نور الايمان)، على نحو ما سنحدثك عن ذلك لاحقاً ان شاء الله تعالى.
اذن امكننا ان نتبين جانباً من الاسرار الكامنة وراء الاستهلال للدعاء المذكور سائلين الله تعالى ان يوفقنا الى نيل رحمته، وعطائه، وان يوفقنا الى ممارسة الطاعة والتصاعد بها الى النحو المطلوب.