نتابع الحديث عن الادعية المباركة ومنها: دعاء الامام المهدي (عليه السلام) في تعقيبه لصلاة الفطر، حيث حدثناك عن احد مقاطعه الذي يتضمن التوسل بالله تعالى بأن يتفضل برعايته على قارئ الدعاء ومن يعنيه امره من الولد والاهل والاخوانوالجيران، الى ان يقول: (من الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ والْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ الاحياء منهم والاموات، …)، هنا نتساءل عن السر الكامن وراء الفصل بين المؤمن والمسلم حيث يتعين علينا ان نلحظ ذلك، فماذا نستلهم؟
من الحقائق المعروفة ان المؤمن دون سواه هو: المعني بالدعاء له، ولكن عندما يرد في النص مصطلح (المسلم) الى جانب المؤمنفهذا يعني: ثمة نكتة وراء ذلك فما هي؟
الجواب: في تصورنا ان اكثر من سر وراء الظاهرة المذكورة، بخاصة اذا عرفنا ان الفارق بين المسلم والمؤمن، ان المؤمن هو من يؤمن بمبادئ الله تعالى في جميع مستوياتها، بدليل قوله تعالى في النص القرآني المشير الى ان المسلم من أسلم ولم يدخل الايمان في قلبه. لكن من جانب آخر نجد ان الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ يردان سوية ايضاً، وهذا ما يحملنا على التصور الاتي: يمكن الذهاب الى ان المؤمن هو الملتزم بمبادئ الله تعالى وان المسلم اعم من ذلك، اي: الملتزم وغير الملتزم، وفي ضوء هذه الحقيقة نجد الفارق بين الملتزم ممن يطلق عليه مصطلح المتقي ايضاً يجسد الدرجة الاولى من الالتزام بمبادئه تعالى وان (المسلم) الدرجة التي تليه، بصفة ان المسلم من حيث الايمان نظرياً لايختلف عن المتقي الا في درجة الالتزام. من هنا، فأن الدعاء له يحمل مسوغاته مادام الانسان غير معصوم من جانب، وامكان توبته من جانب آخر، ولذلك فان الدعاء له قد ينصب على رجاء الاصلاح في سلوكه.
بعد ذلك نواجه في المقطع الذي حدثناك عنه فقرات جديدة تقول: (وان تمن علي بالأمن، والايمان، ما ابقيتني فانك وليي ومولاي، ولا تبطل طمعي ورجائي، فقد توجهت اليك بمحمد وآل محمد، …)، هنا نواجه نكتة جديدة تتصل بالفارق بين المسلم والمؤمن، حيث تقول العبارة: بعد التوسل بالله تعالى بأن يرعى المؤمن والمسلم: (وان تمن علي بالأمن والايمان) ، فما معنى هذه الفقرة؟
الجواب: ان الدعاء للمؤمنين والْمُسْلِمِينَ، اذا كان الهدف ما ذكرناه من رجاء الاصلاح في سلوك المسلم الذي يخلط عملاً صالح مع غيره مثلاً، حينئذ فأن تعقيب ذلك على لسان القارئ للدعاء بعبارة خاصة به وهي: (وان تمن علي بالامن والايمان)، يعني ان المطلوب هو: تحقق درجة الالتزام بمبادئ الله تعالى الى مستوى التقوى، وهذا تعززه العبارة المتوسلة بأن يمن الله تعالى على قارئ الدعاء بالايمان وليس بالاسلام وحده.
يبقي ان نحدثك عن سر آخر في فقرة الدعاء، وهي: عدم الفصل بين الايمان والامن، اي: الاقتصار عليهما دون سائر المفردات المتصلة بالصحة والغنى وغفران الذنب وخير الدنيا والاخرة، فما هو سر ذلك؟
الجواب: في تصورنا ان (الامن) هو من اهم الدوافع او الحاجات التي يعنى الانسان بها، لأن تهديد (الامن) يعنى: الاضطراب وعدم الاستقرار وعدم التوازن في نهاية المطاف، فاذا لم يتحقق التوازن الداخلي في الشخصية: حينئذ لا يمكنها ان تؤدي وظيفتها العبادية بالنحو المطلوب.
اذن امكننا ان نتبين مجموعة من النكات الكامنة وراء فقرات الدعاء المذكور سائلين الله تعالى ان يوفقنا الى ممارسة الطاعة والتصاعد بها الى النحو المطلوب.