لانزال نحدثك عن الادعية المباركة، ومنها أدعية الامام المهدي (عليه السلام) حيث حدثناك عن احد ادعيته الخاص بالقنوت وانتهينا من احد مقاطعه المتنوعة الذي طرح فيه ظاهرة النبات وظاهرة المياه والاشجار والثمار وما يواكبها من الابداع الذي ينطوي على الفائدة والمتعة اي: الفائدة المادية للنبات مثلاً، والمتعة الجمالية للشجر والثمر من حيث الوانه، ... الخ، ونتجه الى مقطع جديد ورد فيه ما يتصل بصفاته تعالى وبأسمائه، حيث نواجه ما يأتي: (واسألك باسمك الذي اذا دعيت به اجبت، ويا من له الخلق والامر، ... الخ)، والان الى القاء الاضاءة على العبارة الاولى من هذا المقطع، ونعني به: (واسألك باسمك الذي اذا دعيت به أجبت)، فماذا نستلهم منه؟
العبارة المتقدمة تتكرر في نصوص متنوعة، وهي تلفت نظر القارئ للدعاء من حيث التخصيص لاسمه تعالى وارتباطه باستجابة الدعاء، من الممكن ان يتساءل قارئ الدعاء قائلاً: ان الله تعالى يستجيب لعبده تبعاً لقوله تعالى: «ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ» بغض النظر عن الاسم الخاص له تعالى، وهذا ما يقتادنا الى التساؤل الآتي: هل يقصد بذلك اسم الله الاعظم الذي أخفاه تعالى، ولكنه طلب منا ان ندعوه باسمه الاعظم، ان هذا يمكن بلا ترديد، ولكن ماذا يمكننا ان نعقب على ذلك بالذهاب الى ان اياً من اسمائه الحسنى يسأل به، كما انه تعالى يستجيب لعبده حتى في حالة ما اذا لم يدع بتاتاً وهذا ما تؤكده النصوص القائلة: (يا من يعطي من سأله ومن لم يسأله تحنناً منه ورحمة)، فاذن حتى مع عدم دعاء الانسان تتحقق اشباعات حاجاته مما يستاقنا الى القول: ان الله تعالى في الحالات جميعاً يستجيب لعبده، كل ما في الامر ان السياقات الخاصة تحدد مستويات الاجابة ودرجاتها كما هو واضح، مع التأكيد بان الاسم الخاص او الاعظم يظل مقروناً بأهمية كبيرة من حيث اقترانها بالاجابة.
بعد ذلك نواجه عبارة: (يا من له الخلق والامر)، فماذا نستخلص منها؟ عندما نستقريء النصوص القرآنية الواردة بالنسبة الى مصطلح (الخلق) ومصطلح (الامر) نجد بان الخلق يتمثل في: ابداعه تعالى للانسان أو لسائر المخلوقات اي: ايجادها من العدم، واما مصطلح (الامر) فيكاد يتمثل في الظواهر المترتبة على الخلق، اي: الشؤون المرتبطة بالمخلوق من حيث التدبير لها وتقديرها وانفاذها وفق متطلبات الحكمة ومن البين ان ربط (الامر) بـ (الخلق) او الخلق (بالامر) يظل في الصدارة من ضرورات المعرفة بعظمة الله تعالى من جانب وبحكمته من الجانب الاخر، بصفة أن توحيده تعالى يتطلب من العبد (بالاضافة الى فطريته): المعرفة بساحته القدسية ومن ثم: تعميق الايمان بالله تعالى.
هنا نتساءل: عن الرابط بين العبارة الاولى: (اسألك باسمك الذي اذا دعيت به اجبت) وبين الثانية (يا من له الخلق والامر)، فماذا نستلهم؟
في تصورنا ان الاحتمال الفني لهذا التعاقب او الترتيب للعبارتين هو: ان ذهن القارئ للدعاء سوف يتداعى الى ان الله تعالى مادام هو الخالق للعبد، والمدبر لامره وهو ما طرحته العبارة الثانية، حينئذ فان الدعاء بالاسم الخاص الذي يرتبط بعظمة ابداعه تعالى، وبرحمته المقترنة بالقدرة الابداعية بصفة أن كل ما يصفه تعالى وفق الحكمة انما يعني: وفق الرحمة، وهذا يفسر لنا بان التوسل الذي اذا دعي به: يستجيب له الله تعالى انما يتساوق مع عظمته تعالى ورحمته بالنحو الذي اوضحناه، وهو مما يعمق ايماننا بالله تعالى دون ادنى شك.
ختاماً نسأله تعالى ان يوفقنا الى ممارسة طاعته تعالى، والتصاعد بها الى النحو المطلوب.
*******