نواصل حديثنا عن الادعية المباركة، ومنها أدعية الامام المهدي (عليه السلام) حيث حدثناك عن أحد أدعيته الخاص بالقنوت، وانتهينا من ذلك الى مقطع بهذا النحو: (أسألك باسمك الذي كونت به طعم المياه، وأسالك باسمك الذي اجريت به الماء في عروق الاشجار بين الصخرة الصماء، وأسالك باسمك الذي كونت به طعم الثمار والوانها، ...)، في لقاء سابق، مهدنا لهذا المقطع من الدعاء بتعقيب عام على النصوص الشرعية: قرآنا واحاديث من حيث ارتكانها الى بعدين: دلالي وجمالي، بحيث اذا طرح على سبيل المثال موضوع على الابداع الكوني (كالطبيعة): كما هو طابع المقطع من الدعاء الحالي، حينئذ تطرح الصياغتان: دلالياً من خلال الاشارة الى قدرته تعالى وجمالياً من حيث الاشارة الى جمال الطبيعة مثلاً فضلاً عن جمالية التعبير اللغوي المتمثل في الايقاع والصورة ونحوهما، والآن: الى الحديث عن هذين الجانبين في مقطع الدعاء الذي لاحظناه.
ابتدأ مقطع الدعاء بالحديث او التوسل باسم الله تعالى من حيث قدرته الابداعية للمياه وطعمها، فقال: (اسألك باسمك الذي كونت به طعم المياه)، ثم اردف الحديث عن وظيفة المياه من حيث سقيها للنبات فقال: (وأسألك باسمك الذي اجريت به الماء في عروق النبات بين أطباق الثرى، ... الخ)، والسؤال هو: ماذا يستلهم قارئ الدعاء من النص المتقدم؟
الجواب: لا ترديد في ان المقطع المتقدم يحقق لقارئ الدعاء (اذا كان واعياً لما يقرأ): جانب الافادة العقائدية من حيث قدرته تعالى على ابداع الماء والنبات، ثم من جانب جمالية الوصف القصصي لرحلة المياه، كيف ذلك؟
بدأ المقطع اولاً بالاشارة الى طعم المياه، وهو امر يتصل بما هو معروف من نمطيها: العذب والمالح، وما يترتب على كل منهما من الفوائد المسخرة للانسان، ثم ما يتصل بالمياه الساقية للنبات، حيث لا نحتاج الى ادراك الفائدة المسخرة للنبات واعتماد الانسان أساساً على التغذية لكل من الماء والنبات، بيد ان الجانب الجمالي بدوره يفرض فاعليته على قارئ الدعاء بخاصة عندما يصف النص رحلة المياه الى باطن الارض فيقول: (أجريت به الماء في عروق النبات بين اطباق الثرى)، هذا واحد من مجال الرحلة للمياه، واما المجال الاخر فيقول: (وسقت الماء الى عروق الاشجار بين الصخرة الصماء)، هنا يقف قارئ الدعاء ليتأمل جمالية المرأى، متمثلة على النحو الآتي: للنبات عروق في طبقات الارض ثم صعودها الى عروق الاشجار بعد نمو البذرة، ثم اختراقها طبقة الارض الفوقية متمثلة في عروق الاشجار، هنا: ندع قارئ الدعاء بان يسمح لخياله بملاحظة هذه المرائي بخاصة: المرأى الذي نشاهد في سطح الارض عبر طرقاتنا حتى الجرداء حيث ينشق بين الصخرة الصماء هذا العرق من النبات مشفوعا بجمالية المرأى.
بعد ذلك يتجه الوصف القصصي الى المرحلة الاخيرة من الانبات وهي: الاشجار فيقول: (كونت به طعم الثمار وأَلْوَانُهَا)، هنا لانحتاج الى القاء الانارة على مرأى (الثمار) و(أَلْوَانُهَا) المتنوعة وما تحمله من جمالية فائقة تحقق اشباعاً تاماً للحس الجمالي عند الانسان عبر مشاهدته مرأى الثمار المتنوعة وأَلْوَانُهَا المتنوعة، فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ.
ختاماً نسأله تعالى ان يوفقنا الى شكره تعالى في نعمه التي لا تحصى،
*******